مصطفى الأدهم
مع دخول الإنسحاب الأمريكي من العراق فصوله النهائية، فأن ما يسمى بمجمعات القصور الرئاسية – الخاصة بالطاغية وطغمته – جرى تسليمها للسلطات العراقية؛ الحكومة الإتحادية، والحكومات المحلية في المحافظات، كل مجمع وقصر حسب تابعيته الإدارية. لكن، مع تسلم واستلام هذه المجمعات، يبرز السؤال الذي طرح ويطرح، حول الوجة الأمثل لإستخدامها؟
لا شك أن عائديتها هي للشعب. والدولة موكلة من الشعب على ادارتها. لكن، الأشكال المحتمل الذي يثير النقاش هو حول كيفية وشكل الإدارة التي تتجه الحكومة الإتحادية والحكومات المحلية اليها؟
هناك بعض من الأصوات الرسمية أو “المقربة” من الرسمية بدأت تصرح في بغداد وبقية المحافظات، عن اتجاه سياسي – “رسمي” يبيح أمكانية استخدامها كدور للساسة والمسؤولين الرسميين والمحليين، كالوزراء وأعضاء مجالس المحافظات.
في المقابل هناك أصوات رسمية و”شبه رسمية” تقول العكس تماما “بأن هذه القصور والمجمعات هي ملك للشعب العراقي، وعاديتها له، وعليه، لن تكون مقرات ومساكن للساسة لا من فوق الطاولة ولا من تحت الطاولة”.
لا شك أن الرأي الثاني، هو الأصوب. لأنه الأقرب إلى نبض الشارع العراقي، ويتماهى مع مزاجه. ففي الوقت الذي يعاني أغلب أهل العراق؛ من سوء وشبه أنعدام للخدمات لا يعقل – أو هكذا يفترض – أن يقوم أهل السياسة في بغداد والمحافظات، بزيادة الفوارق والإمتيازات بينهم وبين المواطن/ الناخب – الذي يفترض في السياقات الديمقراطية أنهم يخدمونه! كما أن الإستيلاء على هذه القصور والمجمعات تحت يافطة “دور ضيافة” ومقرات ومساكن مؤقتة وما إلا ذلك لا يتماشى مع ما يفترض أنها “سياسة تقشف” رسمية “اتبعت” ابتغاء تقليص الهوة والفارق؛ المادي – الذي يتمتع به المسؤول كامتياز له ضمن جملة من الإمتيازات الطويلة والعريضة – كونه يعمل على خدمة الناخب!
نعم، يحتاج المتصدي للشأن العام في السياسية والمسؤولية بعض من الإمتيازات؛ المعقولة والمقبولة ك “ستاندرد” دولي؛ من حماية وسيارة وراتب جيد يعوضه عن “الخطر” جراء العمل العام وما يترب عليه من التزامات اجتماعية في بلد شرق أوسطي.
لكن، المبالغة الفاحشة في هذا “الستاندرد” وصلت إلى مديات غير مقبولة ولا تطاق في العراق. فأضحت للأسف سرقة مقوننة للمال العام، والملك العام = مال الشعب. ولا يخفى أن المزاج الشعبي العام، قد أرسل عدة رسائل سخط وغضب للساسة في هذه النقطة. كما لا يخفى أيضا، ما كان من المرجعية من رسائل امتعاض توازت مع ودعمت رسائل الشارع.
المسؤولون/السياسيون في العراق، يتمتعون بأمتيازات ضخمة. رغم ما جرى عليها من تعديل لم يكن بالجوهري. وان هذه الإمتيازات المادية؛ لها أبعاد نفسية واجتماعية تلقي بظلالها على كل من مجتمع الساسة الضيق بالمقارنة مع المجتمع الناخب الأوسع. لأنها – أي الإمتيازات الضخمة – تخلق من المجتمع الضيق طبقة برجوازية لها مصالح اقتصادية مرتبطة ارتباطا عضويا بديمومتها السياسية. عليه توضع بمرور الوقت علامات الإستفهام على سلامة الأداء السياسي والتشريعي والقانوني لهذا المجتمع؛ ان كان عمله من أجل خدمة المواطن/الناخب، أم من أجل شبكة مصالحه المترابطة؟
المحصلة في هذه الحالة هي تشويه لجمال وجه الديمقراطية. أو اقله تلويث لسمعتها. وكلا الحالتين ليستا في صالح السياسي على المدى البعيد، في ميزان الربح والخسارة اذا ما أخذنا المدى البعيد من علم الإقتصاد “Long Run”. لأن مصير الحقوق في النهاية إلى يد الشعوب.
وعليه، فأن هذه القصور والمجمعات الرئاسية، هي ملك للشعب العراقي، الذي تحمل ما تحمل من الطاغية ونظامه البائد جراء بنائها. والحكومة المركزية، والحكومات المحلية؛ تعمل على ادارتها بما يرضي الله والشعب. ورضى الشعب لا يكون بأن تصبح هذه المجمعات والقصور مساكن لأهل السياسية والمسؤولية. ومن يعمد إلى الإستيلاء عليها حتى وان قوننه فأنه يمحي أي فارق بينه وبين سلوك الطاغية البائد وأركان نظامه الساقط.
من هنا يجب أن يثمن قرار هيئة استثمار البصرة “الرافض تحويل مجمع القصور في البصرة إلى دور ضيافة للحكومة الإتحادية والمحلية وسكن لكبار موظفي المحافظة”.
ألحل الافضل في تحويلها إلى متاحف. وليس منتجعات سياحية؛ لأن باب الفساد لم يغلق بعد في العراق. عليه، لا داعي لفتح باب جديد لفساد محتمل من خلال نوافذ؛ التحويل السياحي للقصور أو استخدامها الثقافي كدور.
المتحف يبقى على حاله مع ما بداخله من مقتنيات. ملكيته للشعب. وعاديته لشوؤن الآثار في الدولة؛ تديره وترعاه وتحميه؛ عبر طاقم وظيفي متخصص وصغير كما هو معمول به في العام، ويدر على نفسه من رسوم الدخل والنشاطات ودعم الميزانية الرسمية له. ويمكن للجميع من أبناء الشعب التمتع بهذه المتاحف، فلا يمتاز حينها سياسي أو مسؤول على شعبه.
ومن يريد الإنتحار سياسيا وأخلاقيا على اعتاب قصر من القصور التي بناها صدام على حساب الشعب فليتفضل…