أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
كان التحول من نظام دكتاتوري الى نظام ديمقراطي في (9 نيسان 2003)يفترض ان تنتهي معه فواجع العراقيين راح ضحيتها الملايين في حروب كارثية حمقاء لطاغية مصاب بتضخم انا ونرجسية قاتلة.ولكن ما حصل بعده من حروب كانت اوجع وافجع واكثر سخفا.والسبب الرئيس لما حصل هو ما شفرتّه سيكولوجيا(السلطة )عليها اللعنة..فتاريخها في العراق هو تاريخ العنف والدم وقطع رؤوس الخصوم منذ أن تحولت السلطة العربية والإسلامية الى وراثية عام 61 هجرية. فمن يومها اعتمدت السيف لحلّ النزاعات واجبار من يخالفها على الطاعة والخضوع. وكانت ( السلطة العربية والإسلامية ) على مدى أكثر من ألف واربعمائة عام لا تلجا الى التفاوض والحوار إلا بعد أن تقطف السيوف رؤوس افضل من في القوم. ولهذا فأن العراقيين معبئون سيكولوجيا في لا شعورهم الجمعي بالعنف لا بالحوار في حلّ صراعاتهم السياسية. ولك أن تستحضر مشاهد ما حصل عام 1958 من تمثيل وحشي بالعائلة المالكة ورموز النظام. وعام 1963 بتمثيل أبشع بشخص أول رئيس جمهورية للعراق ورموز نظامه، وبآلاف الشيوعيين والوطنيين. وما حصل للبعثيين من حرقهم أحياء بعد هزيمة الجيش العراقي في حرب الكويت عام 1991،والابادات الجماعية للشيعة وحرب الأنفال ومجزرة آلاف الكرد في حلبجة.. وذلك الموروث اللعين الذي يمتد الى داحس والغبراء،مرورا بواقعة دهاء أبن العاص وغباء الأشعري التي ” أنجبت ” فرق الموت والتكفير، الى المشهد اليومي الحاضر من اختطاف وقتل بكاتم الصوت، وكأن عقولنا مبرمجة فقط على استحضار الأحقاد من ماضينا.
والمسألة السيكولوجية الثانية، أن السلطة في الدولة العراقية الحديثة ( من عام 1921 الى عام 2003 ) كانت بيد السّنة العرب..وفجأة ومن دون تمهيد ديمقراطي أو سلاسة في انتقال السلطة ، حدث تبادل انقلابي للأدوار. فالشيعة الذين كانوا لألف وثلاثمائة سنة في المعارضة،والذين حاربوا الانكليزي المحتل في ثورة العشرين،ورفضوا دعوة الملك فيصل الأول للاشتراك في الوزارة لأمور فقهية! أصبحوا ( بعد 9/4/2003 ) في السلطة ،واعتبروا قوات الغزو، التي حاربوها في البدء بضراوة في أم قصر والناصرية،اعتبروها قوات صديقة وتحالف ساستهم معها، فيما السّنة أزيحوا الى جبهة المعارضة سواء ضد السلطة او ضد المحتل الذي أعطاهم السلطة في بدء تشكيل الدولة العراقية الحديثة.
وتبادل الأدوار هذا يشبه في فعله النفسي تبادل الأدوار بين السيد والعبد، فأنّى لمن كان سيّدا أن يكون عبدا لمن كان عبدا بالأمس، لاسيما في سيكولوجية العربي، والعراقي تحديد!?
وعلّة نفسية ثالثة،هي أن الشيعة في العراق ( جماهيرها الشعبية تحديدا ) اعتقدوا أن مصدر ما أصابهم من ظلم وجور وعنف هو السلطة السنّية التي حكمت العراق أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، فعمموا هذا الموقف الانفعالي على كل السنّة ولم يقصروه على رموز الحكم ممن استخدم السلطة وسيلة للظلم والقسوة في التعامل واذلال الآخرين. وحصل أن نشوة الانتصار ووسواس الخوف من ضياع ما يعدّونه الفرصة التاريخية الأخيرة لهم قد تمكنا من الجماهير الشيعية الشعبية،وعملا نفسيا على الاندفاع والانفعال والتطرف.ولقد عزز هذا وغذّاه زهو بعض قادتهم السياسيين والدينيين بحصولهم على ستة ملايين صوت في انتخابات 2005 ( حوالي نصف العراقيين ) ناجمة في حقيقتها من موقف تعاطفي وردّ فعل انفعالي لما أصابهم من حيف، أكثر منه موقف من برامج سياسية.والمخجل ان كثرة فيهم اعادوا انتخاب من خذلوهم من الفاسدين ولسان حالهم يقول(انتخبه وانتخبه ما دام شيعي..حتى لو كان فاسد!)
بالمقابل، حصل للجماهير الشعبية من السنّة أن تمكن منها وسواس الخوف من أن الشيعة الذين استلموا السلطة سيفعلون بهم ما فعلت بهم السلطة السنية طوال حكمها للعراق.فضلا عن أنهم شعروا بالغبن السياسي والإحباط الذي يصل ذروته في ظروف الأزمات فيؤدي الى العدوان،وهذه حقيقة نفسية تحدث عند إعاقة جماعة عن تحقيق أهداف تراها مشروعة ولا تجد وسيلة أخرى لبلوغها غير العنف.
ومع أن صدام ارتكب الفضائع بحق الوطن ” تدمير ثروة العراق الهائلة ” وبحق الكورد والشيعة وحتى أقرب الناس إليه، فأن مشهد إعدامه أساء لعدالة التنفيذ وافتقر الى شجاعة وخلق المظلوم حين يتمكن من الظالم،وأثار تعاطفا انفعاليا اختزل للرجل الكثير مما يحسب عليه،وجعل مناسبة العيد( أعدم فجر أول أيام عيد الأضحى بحساب السعودية وسنّة العراق ) عيدين لطائفة وفاجعتين للطائفة الأخرى.والأخطر أن مشهد التشفّي وما فاح به من رائحة طائفية واعلان صريح بأخذ ثأر،نقل الوساوس من خانة الأوهام ليضعها أمام أبواب الحقائق ،فزادت الواقعة في رمي الحطب وصب الزيت على نار كبرى مشتعلة أصلا ليمتد لهبها الى مناطق أخرى من العراق والعالم العربي،فكان ما كان مما حصل ويحصل الآن .
هل تعلمنا الدرس؟.هل سنتخلى عن ارتكابنا افعالا لا تستوعبها مفردات اللغة وصف بشاعتها ولا عقلانيتها؟.هل سينتبه رئيس الوزراء المكلف السيد مصطفى الكاظمي لما احدثته السلطة سيكولوجيا في تشكيلة الشخصية العراقية..ويعافيها ليضمن اقوى دعم له في نجاحه؟.
ما ستشهده (2020)..هو اليقين.