الشعر فن جمالي يقوم على (الصورة الشعرية وحسن التعبير)على حد تعبير الجاحظ..كونها وليدة خيال المنتج (الشاعر) من جهة..ومن جهة اخرى تشكل المعيار الذي يكشف عن اصالة التجربة الشعرية..
و(هلابك) النص الشعري الذي نسجت عوالمه انامل منتجه الشاعر الستيني كاظم الرويعي..المسكون بالحب والحرية التي هي (وعي الضرورة).. المتفرد بخصوصية تجربته الشعرية التي فتحت آفاقا في تحولات القصيدة الشعبية متخذا من المسار النوابي منهجا.. ونشر في كتاب احتضن مجموعة من الشعراء وهو يحمل ايقونة عنوانية شكلت نصا موازيا كاشفا عن المتن النصي (قصائد للوطن والناس/1974)..كونه يجسد اللحظة في بناء فني قوامه التكثيف والايجاز والاختزال في اللغة … من اجل تفعيل الصورة الشعرية بصفتها تركيب جمالي ونفسي تتشكل من التقاطات المنتج (الشاعر) للمدركات الحسية والمعنوية..لذا كان اهتمام الشاعر ينصب على تحقيقها وتفعيلها..اضافة الى الاشتغال على الانزياحات اللغوية..
يا هلا بك…يا هلا بك
ما وكف غيم اعله نورك..اولا نبت غش اعله بابك
يا نهار الدنية..يا نخوة اصحابك..
يا هلا بك..
بيك سر محد يعرفه…
اشما كبر عمرك..يرد بيك لشبابك
يا هلا بك..يا هلا بك..
فالنص يمتاز بدفء العاطفة .. والعذوبة في التعبير..مع دقة في انتقاء الالفاظ الموحية..الخالقة لجملها الموجزة..المجسدة للصور الشعرية المقترنة بالواقع.. النابضة بالحياة..برؤية حداثوية مسايرة لروح العصر..مع غلبة الطابع الوجداني الذي اتسم بالقيم الجمالية الجاذبة..المستفزة للذات الآخر من جهة والمولد للاسئلة من جهة اخرى..
يا هلا بك…ياهلا بك
ياخبز..ياعيد..ياثوب اليتيم
يغلط احساب الغشيم..
وانت ما يغلط حسابك..
يا هلا بك..يا هلا بك
تدري المن تسد بابك..
او تدري المن تفك بابك
يا…….يا هلا بك
فالنص يقوم على رؤية تتشكل من بعدين اساسيين: اولهما البعد الانساني.. وثانيهما البعد الوطني..وهما يتماهيان معا تماهيا عضويا وفر للنص عمقا دلاليا مجسدا للمعاني والافكار..مع تجلي جماليات الخطاب الشعري في تقنيات اسلوبية كالتكرار الاسلوب الدال على التوكيد والمضفي على جسد النص موسقة محركة لعوالمه البنائية..اضافة الى انه شكل لازمة لغوية وايقاعية..وهناك التنقيط الدال على(المسكوت عنه)..والذي يستدعي المستهلك لملىء فراغاته..مع توظيف الرمز الدال على عمق التجربة وامتدادها التاريخي والانساني..
يا حلم جيفاري اخذني..اشتلني بسته امن الفرات
و طش روحي..خبزة وثياب وحياة
و شد جنحي بجنح هانوي او أطير
من كل هذا نكشف عن مدى اتقان الرويعي لادواته الشعرية التي كشفت عن طاقة شعرية متمكنة من التعامل مع المفردة بحس شفيف خالق لصوره النابضة بالحياة.. وحين سُألَ مظفر النواب عن الشاعر كاظم الرويعي قال” : ان بُعد المسافات والفارق الزمني جعلَ بعضهم لا يعرف كاظم الرويعي لكنني اود ان اقول لكم”هذا من صاغ من النجوم ( گلايد ) وشاعر من شعراء عودة الكلمة في العراق”. ويعد الشاعر كاظم الرويعي، واحدا من اعمدة الاغنية العراقية الاصيلة، في حقبتي الستينيات والسبعينيات، حيث رفدها بنصوص شعرية غنائية مميزة، وعلى سبيل المثال لاالحصر أغنيته “يا عشكنا”، التي لا تزال تُستذكر حتى من قبل الاجيال التي لم تواكب تلك المرحلة. وكان الرويعي من الشعراء المعدودين الذين وهبوا الاغنية العراقية جمال الكلمة وروعة المعنى، حتى بقيت خالدة في وجدان الناس.