هادي جلو مرعي
كان هدف المالكي واضحاً من وراء إصراره على عقد القمة العربية في العاصمة بغداد،وبدا ذلك في كلمته التي ألقاها خلال الجلسة العلنية بحضور قادة وممثلي بلدان الجامعة العربية الخميس 29 مارس 2012، حين أشار الى حلم عقد القمة الذي لم يكن ممكناً قبل سنوات، لكنه صار حقيقة هذه المرة.ضرب الرجل بعشرات العصافير، وظهر منها بيده العديد, وحتى تلك التي تزقزق على أشجار المنافسة السياسية ,ولم يعد معنياً بالمثل القائل: عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة. فهو قد صاد كل العصافير.. نجح في إجتياز إمتحان الإجراءات الأمنية الى حد بعيد حتى إن أحداً لم يعبأ بخبر حصول تفجيرات وسط العاصمة أثناء ألقاء رؤساء الوفود لكلماتهم،الطريف أن احد أصدقائي وهو لايحب المالكي أراد ان يثبت لي بالدليل أن تفجيرا قد حصل,وأشار الى كلمة وزير الخارجية المغربي وحلف لي إنه رآه يصاب بهزة وإنتباهة حين وقع التفجير!!! وكان أمتحان التنظيم مفاجئاً حتى للضيوف الذين عبروا عن دهشة بالغة وإرتياح لحسن الوفادة في عاصمة ما زالت تنسحب رويداً من دائرة الفوضى والصراعات المريرة.
ابعد نوري المالكي خصومه السياسيين، وأفقدهم المبادرة في مهاجمته, فهو قد عزل المشاكسين منهم وشديدي الإنتقاد لسياساته (علاوي، المطلك) لكنه تصرف بذكاء حين وفر الفرصة لرئيس البرلمان في إستقبال بعض الوفود والحضور في القمة, وكذلك لوزير المالية في الحكومة (النجيفي والعيساوي), وهما الأقرب الى وصف (الحمائم) في القائمة العراقية، وسمح بحضور عدد مميز من الوزراء وأعضاء مجلس النواب, وزعماء طوائف وقوميات وصحفيين وممثلين عن كتل سياسية.
عدا عن ذلك فإن أحداً من قادة العرب لم يعتذر عن المشاركة، ومن لم يستطع أرسل ممثلاً عنه. جميع كلمات الحاضرين أشادت بالأمن، والضيافة، والتنظيم، وحسن الإستقبال..
جاءت القمة في وقت مثالي رغم إننا أشرنا في مقال سابق الى أنها أشبه بالفخ الذي يراد للحكومة أن تقع فيه حين تتبنى قرارات ضد أيران وسوريا، لكن عدم مشاركة زعماء الخليج وإكتفائهم بإرسال ممثلين عنهم، والمبادرة التي تقدم بها السيد كوفي عنان وسيط الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لحل الأزمة السورية مكن بغداد من الخروج بخسارة بسيطة مقابل أرباح كبيرة تمثلت بعودة العراق الى الحاضنة العربية، ورئاسته للجامعة خلال المرحلة المقبلة، وإعادة إكتشافه من قبل زعماء ورؤساء وقادة ووزراء وكبار مسؤولين وصحفيين وناشطين ورؤساء منظمات بعد عزلة دامت لأكثر من عقدين من الزمن بسبب سياسات طائشة مورست ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
أرباح أخرى بدت من خلال حماسة قادة دول الربيع العربي الذين تحدثوا عن العراق كشريك لهم في زوال نظام حكم مستبد حتى لو كان ذلك بتدخل خارجي كما في الحالة الليبية التي تطلبت قراراً أممياً وتدخلا حازماً من قوات الناتو بقصف جوي مكثف، والأمر قريب لما حصل في العراق سنة 2003. بعضهم إعتذر، وآخرون يفكرون في إلغاء شرط الحصول على تأشيرة بالنسبة للعراقيين الراغبين بزيارة بلدانهم، ومنهم من رغب في تعزيز التعاون مع بغداد في مجالات الإقتصاد والإعمار والإستثمار.
ليس كالقمة العربية مناسبة ملائمة لعودة العراق الى ساحة الفعل والتأثير في منظومته وهذا ما حصل في 29 مارس حين تسلم صكاً يمكنه أن يجد له رصيداً في بنوك إحدى وعشرين عاصمة عربية وبتوقيع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وإكمال الدين إحسان أوغلو أمين المنظمة الإسلامية ونبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية.