أجرى الحوار د. توفيق آلتونجي
الكاتب كفاح السنجاري مثقف كوردستاني معروف على الساحة العراقية والكوردستانية بحضوره النشيط و البارز في التلفزيون والصحافة المقروءة وعلى الانترنت.
نلتقي به في حوار صريح بعيدا عن جميع الحواجز والطروحات السياسية التي تحجم انطلاق الأفكار بحرية خدمة للكلمة الطيبة التي تتجاوز حدود كل السجون والأقبية والمعتقلات. الصحافة قارئي الكريم هم بحد ذاته ومهنة مليئة بالمتاعب والمشاكل قلما يجد / تجد الصحفي من يقدم له الشكر أو يشجعه على إنتاجه الإبداعي.
الشرق والغرب يلتقي في تعريف هذه المهمة الإنسانية الشاقة ومطباتها وخطورتها فنحن اليوم أمام عالم مليء بأخبار الصحفيين في مواقع الأحداث هؤلاء ممن يقدمون التضحيات تلو التضحيات في سبيل إيصال الخبر وعكس مجريات الأحداث أينما حدث إلى بيت المشاهد ويد القارئ الكريم. الضحايا من الصحفيين في العراق وسوريا واليمن ومصر وتونس تملئ اخبارهم الصحف ووسائل الإعلام تتناقل اعتقالهم وزجهم في السجون وحتى اغتيالهم. في هذا العالم المفعم بالفوضى يحاول ضيفنا ان ينتزع كلمة حق من خلال فتح باب التحاور الحضاري للوصول الى قاسم مشترك يمكن بواسطتها بناء مجتمعات تسامحيه يؤمها الأمن والوئام الاجتماعيين .
وفي هذا العالم الغريب نرى تجربة ندية في إقليم كوردستان العراق تدخل عقدها الثاني باحتفال باليوم الوطني عيد نوروز في 21 من آذار. نحاول معا اكتشاف وضع الصحافة والمثقفين هناك في تجربة سياسية جديدة لم يتبلور ملامحها بعد. تجربة يتكون معظم القائمين بها ممن شارك مباشرة او بصورة غير مباشرة في الكفاح المسلح خلال عقود طويلة مع الحكومات المركزية العراقية المتعاقبة. ماذا حملوا في تجربتهم من ثقافة تلك الايام؟ كيف انعكست ثقافة تلك الانظمة في اداءهم السياسي وما هي ملامح العهد الحديد اسئلة نطرحها على ضيفنا اليوم ليجيبنا مشكورا.
الانسان منذ الخلقة الاولى يحاول الحفاظ على البقاء والصحفيين اليوم الاكثر تعرضا للتهديد بإفناء وجودهم الانساني. ان كان ذلك بطريقة منهجية من قبل الحكومات او المنظمات والمجاميع المسلحة .
اين نحن في الاقليم من تلك الصورة القاتمة؟
ج/ ربما ليس الصحفيين فقط ففي معظم المجتمعات المتخلفة سياسيا واجتماعيا وحضاريا يتعرض المثقفون عموما وفي مقدمتهم بالتأكيد فرسان الكلمة بكافة وسائلها الى حملات تكاد تصل الى مستوى التصفية كما حدث ويحدث في العراق وغيره من دول المخاض الديمقراطي، ولعل اقليم كوردستان الافضل لحد الان قياسا بما يجاوره على الاقل من اطرافه الثلاثة ( العراق وايران وسوريا )، لا ازعم اننا واحة سويسرية لكن ما يحصل هنا منذ عقدين مقارنة بما سبق من سنوات وبما يجاوره من انظمة يؤكد رغم وجود خلل هنا أو هناك فان مستوى الأداء الصحفي والحكومي على حد سواء يرتقي الى مستو يفخر به المثقفون هنا وفي العراق.
ما مدى اهمية الفصل بين الافكار الحزبية للسلطة الحاكمة وحرية الصحافة وهل تجدون ان هناك بوادر لخطط لبناء مؤسسات ثقافية مستقلة في الإقليم؟
ج/ بالتأكيد كلما نضجت التجربة الديمقراطية وممارساتها، لا على مستو السلطة وتبادلها بل على مستو المجتمع وسلوكياته ومن ثم انعكاس ذاك على الأداء الثقافي للفرد والمجتمع في الأحزاب وخارجها، سيؤدي بلا شك إلى تبلور مؤسسات ثقافية تمثل إرادات متنوعة تتفاعل في تلك الأجواء الصحية من الحرية في الرأي والتعبير.
أتحفظ تماما على مصطلح الثقافة المستقلة ولا افهم حقيقة أي معنى لها، ليس هناك شيئ مستقل في الأفكار والتوجهات ومن ثم في الجمعيات والمؤسسات، ربما هناك نمط من الأفكار لا يخضع لفكر حزب أو حركة معينة لكنه بالتأكيد يعبر عن مجموعة أفكار معينة تكون قريبة أو تمثل أفكار وتوجهات حركات أخرى وبالتالي فهي أيضا لديها موقف محدد لا يخضع لهذا المفهوم القلق ( الثقافة المستقلة )!؟
وهنا دعنا نبحث عن آلية وكيفية وبناء وانتاج مؤسسات ثقافية مهنية او اكاديمية سواء في الصحافة او الاعلام، حزبية كانت او غير حزبية، المهم ان تكون مهنية وتتعاطى باسلوب يقبل الاخر ويحترم الرأي المختلف.
الحركة الثقافية في الاقليم شهدت تطورا نوعيا وكميا بعد عام 2003 لكن هيمنة الاحزاب ادى الى توجه الطبقة المثقفة وتحولهم الى مجموعة من المرددين ومداحين. هل هناك امل لصحوة ثقافية في الاقليم بعيدا عن ثقافة القمع التي كانت سائدة ابان الحكم البعثي القومي السلبي السابق.
ج/ ربما لا اتفق مع العديد ممن يصفون الطبقة المثقفة بكونها تحولت الى مداحين او مرددين، خصوصا وان هكذا نمط غير مرغوب به كثيرا في الاوساط الحاكمة هنا على خلفية تقاسم السلطة المعروف، ومعاناة الجميع من هكذا سلوكيات ابان الحقبة الدكتاتورية قبل الاستقلال الذاتي، ولا انكر وجود حالات فردية هنا وهناك تعبر عن سايكولوجية صاحبها، الا انها ليست ظاهرة تلفت الانتباه، على العكس تماما بدأت تتبلور انماط من الصحافة والاعلام التي يطلق عليها هنا بالاهلية وهي في معظمها ناقدة ومعارضة للحكومة والاحزاب، وربما تصل الى مستو فضائحي في منشوراتها!؟
القائمين والمسئولين عن المؤسسات الثقافية هم احيانا من شبه المتعلمين او حملة ثقافة السلطة البائدة مما ادى الى هشاشة في مضمون الانتاج الابداعي في الاقليم الى درجة ان نشر أي كتاب او مجهود ابداعي يحتاج دعما وتأييدا حزبيا مباشرا. هل نحن امام ترسيخ هيمنة ثقافة حزب البعث وتطبيقاته السيئة في الإقليم؟
ج/ بعيدا عن الإطلاق والتعميم أرى ربما من زاوية محددة وجود مثل هكذا عناصر هنا وهناك في معظم الأحزاب الفاعلة في الساحة السياسية، وهي أيضا كما ذكرت من إنتاج أو إفراز حقبة ليست قصيرة امتدت هنا في الإقليم لأكثر من نصف قرن منذ ما بعد تموز 1958م وحتى انتفاضة الربيع 1991م، حيث أجيالا ممن ولدوا ونشئوا تحت تلك الظلال القاتمة، وفجأة انزاحت تلك القيود لكي تبدأ مرحلة جديدة تماما لا تمتلك أي كوادر غير تلك التي أنتجتها ثورة الجبال والمرحلة الثورية لتقود المؤسسات الثقافية التي تعرضت إلى حصار شديد ومزدوج من 1991م ولغاية 2003م، ورغم ذلك وخلال السنوات المنصرمة كانت هناك محاولات جادة في تحديث المؤسسات على مستوى المضمون والشكل ورغم أنها تواجه صعوبات بالغة إلا انها تتقدم، مع تبلور محسوس للمهنية والإذعان للسلوك الأكاديمي إلى حد ما.
دهوك مركز ثقافي نابض في الاقليم وقدم للثقافة اسماء لامعة ولا تزال رغم وجود هيمنة شخصية وحزبية على العديد من مراكز القرار في المؤسسات الثقافية والاتحادات المهنية. هل ترى اثرا للتكوين الثقافي التعددي للمنطقة وكونها مكانا للالتقاء الثقافات والعقائد المختلفة على مجمل الحياة الثقافية المنفتحة في دهوك؟
ج/ أرى ان معظم الإقليم وخاصة العاصمة اربيل ودهوك تمتازان كما ذكرت بتنوع مكوناتهما الثقافية التي تعكس نمطا فسيفسائيا من الثقافة المتنوعة الكوردية والاشورية والعربية والتركمانية، اضافة الى مراكز ثقافية لشرائح مثل الايزيديين والشبك وغيرهم، وهي بالتالي في مجموعها تشكل لوحة الثقافة هنا في الاقليم الى جانب التنوع الفلكلوري في الازياء والغناء والتقاليد.
أما موضوعة الهيمنة الحزبية فاعتقد ليس هناك حزبا قائدا مستبدا على شاكلة الانظمة الشمولية المؤدلجة في الاقليم حتى يوظف كل الوسائل لأفكاره وطروحاته، فمنذ الانتفاضة هناك العديد من الأحزاب التي تمثل المكونات الثقافية والعرقية في الإقليم وهي بالتالي امتداد لهذا التنوع، وتمتلك جميعها وسائل إعلام متنوعة للتعبير عن ذاتها، ولذلك نرى انتعاشا واضحا في الثقافة الآشورية والكلدانية والتركمانية والديانة الايزيدية ومؤسساتهم المنتشرة في الإقليم وبكل وسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة.
كصحفي بنيت علاقات جدية مع مراكز القرار من ناحية ومن ناحية اخرى جاهدت في انشاء جسر ثقافي يربط الثقافات التعددية العراقية. هل لديك مشاريع مستقبلية لترسيخ ثقافة التسامح في المجتمع الكوردستاني وصولا الى مجتمع مفتوح غير منغلق يقبل الفكر الاخر والحوار الحضاري السلمي.
ج/ بالضبط نطمح جميعا من اجل إنجاح تجربة كوردستان الديمقراطية ونظام التعايش والقبول بين كل المكونات العرقية والقومية والثقافية والدينية من اجل بناء مجتمع مدني متحضر وبلورة مفهوم وطني راقي للمواطنة يبشر بوطن فوق القوميات والأديان والعشائر والمذاهب والأحزاب.
وعلى المستوى الشخصي أتمنى أن أرى حقيقة ونحن في فضاء عربي كبير وسائل إعلام كوردستانية ناطقة بالعربية في كل مجالات الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لتكون فعلا جسور للتواصل الثقافي والسياسي بين الكورد تحديدا والرأي العام العربي الذي لا يعرف الكثير عن تجربتنا وقضيتنا التي تعرضت للتشويه من قبل وسائل الإعلام للنظام السابق والإعلام المتطرف حاليا.
أخيرا ، كشخصية ثقافية ذو مواهب ابداعية تعددية مرموقة ومستقلة في الاقليم هل لك ان تحدثنا عن تجربتك الشخصية ابان الحقبة السابقة واليوم.
ج/ انا من الذين لم يغادروا البلاد ايام الحكم الدكتاتوري، وخاصة بعد عودتي من النفي في بابل الى مدينتي سنجار اواخر الثمانينات من القرن الماضي، حيث فضلت البقاء هنا والعمل من الداخل، وتفرغت للكتابة الادبية ( الشعر والنثر ) والفن التشكيلي الذي تخصصت فيه بنوع يطلق عليه اسم الاوهام البصرية Op Art حيث اقمت ثلاث معارض شخصية لهذا النوع من الفن. ورغم ذلك فقد تم اعتقالي قبل سقوط النظام بفترة وجيزة بتهمة معاداته وتقويض النظام السياسي للحزب والثورة كما جاء في لائحة الاتهام والتي تؤدي الى عقوبة الإعدام، الا ان مشيئة الله وجهود اخوتي واصدقائي الذين نجحوا بتهريبي من السجن ليلة 26/27 آذار 2003م جعلتني الآن في ضيافتك وحلقت بي بعد ذلك في فضاءات الإعلام المرئي والمسموع والمقروء كاتبا وصحفيا وإعلاميا.