هادي جلو مرعي
الذين يخافون سقوط النظام السوري في العراق من السياسيين (الشيعة) لا يعملون على أساس الفكرة القائلة بإحتمالية سقوط الرئيس بشار الأسد وأركان حكمه والإستعداد الأمثل لعلاقة متوازنة مع النظام الذي سيخلفه . هم يذهبون الى أبعد من ذلك ويعتقدون إن سقوط النظام ,يعني سقوط سوريا (الدولة) ، وهو ذات الأمر كان يخشاه العرب قبيل سقوط نظام صدام، الذي عنى للعرب سقوط العراق ، وعنى للشيعة تحولا سياسيا وعقائديا وإقتصاديا أنصفهم بعد عقود من التهميش والإقصاء .
الشيعة يرون في سقوط بشار سقوطا لسوريا التي عرفوها جزءا من مشروع يوقف التهديدات الطائفية والمخاطر الناتجة عن صعود فئات دينية مناوئة ،والعرب يرون في سقوطه تحولا لصالح المنظومة العربية السنية . وهكذا يشبه الشيعة في العراق نظراءهم السنة ، في حال المقاربة بين حال العراق قبل زوال حكم صدام حسين ، وحاله بعد السقوط على يد القوات الأمريكية المحتلة ، وما يجري الآن في سوريا ، وما يتوقع لهذا البلد خلال الأشهر القادمة من عمر العام 2012. وهي مقاربة مرتبطة بطبيعة البنية العقائدية للبلدين ، ونظرة العرب من حولها ، وكذلك دولتي الصراع التاريخي المؤدلج (إيران . تركيا). ففي العراق حكم السنة في ظل النظامين (الملكي ،والجمهوري) من عام 1920 الذي نصب فيه فيصل الأول الهارب من دمشق ملكا على هذا البلد ، وحتى العام 2003 الذي أعلن فيه سقوط النظام الجمهوري ، وسقطت معه دولة التعشيق بين سلطة الطائفة والقومية والنظام العلماني ،حينها تحول شكل هذا البلد الى ما نراه اليوم حيث الصراع على أشده لتحديد الشكل النهائي الذي يبدو أنه سيرسم معالم المرحلة القادمة ، وكل المؤشرات فيه تشي الى غلبة شيعية بإعتبارهم الأغلبية في بلاد الرافدين, ولذلك كان السنة في المنظومة العربية حكاماً ومحكومين يرفضون فكرة إسقاط نظام صدام خشية من صعود شيعي يقلب المعادلة التقليدية ويجعل من الفرص المتاحة لإيران في المنطقة تزداد كل يوم ، ثم ليتشكل التحالف الشيعي على مستوى المنطقة مستغلا ضعف القرار العربي السني والترهل السياسي الذي أثر في طبيعة رد الفعل, ووضع الإستراتيجيات لمراحل كل حدث من هذا النوع, وبهذا الحجم والتأثير المدوي.
في سوريا ما زال بشار الأسد يحكم ويسير على خطى الوالد ، وما زالت الأقلية العلوية المرفوضة من الأغلبية السنية تصارع من أجل البقاء ، ومازال النظام يستخدم شتى أساليب قمع الإحتجاجات, ويتحدث عن مؤامرات خارجية ,وخطط لقلب نظام الحكم لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل بدعم عربي ، لكن الحقيقة الأكثر عصفاً تتمثل في الخشية من سقوط هذا النظام من قبل (الشيعة) الذين يرون في ذلك تحولاً يضع هذا البلد تحت سيطرة القوى الدينية السنية الأكثر تشددا والتي قد تهدد مصالح الشيعة في العراق ، ولعل الحديث المنسوب للشيخ السلفي عدنان العرعور الذي يقول فيه (اليوم نحرر درعا ، وغدا نتوجه الى الكوفة) يشير الى طبيعة تلك المخاوف التي تدفع بإتجاه التصعيد بين الشيعة والسنة في المنطقة على مستوى البلاد العربية وما يجاورها من دول الإقليم (إيران الشيعية) و(تركيا السنية).
هذه مقاربة ليست متخيلة ، بل هي من بنات الواقع المعاش ,عشناها في العراق, وسنعيشها في سوريا التي ستتوجه الى نوع من الفوضى خاصة وإن النظام الحاكم يملك من أدوات الصمود ما سيؤخر التغيير وقد تتجه الأمور الى مستوى الحرب الأهلية مع الخوف الذي ينتاب أبناء الطائفة العلوية من عمليات إنتقام في حال تخليهم عن عائلة الأسد.