سليم مطر/ جنيف
آذار 2013
ان العودة للهوية الوطنية يعني بكل بساطة احترام الذات الشخصية والاجتماعية. يقال ان اصعب خطوة تواجه المغني المبتدئ تتمثل في قدرته على الغناء بصوته هو وليس بصوت المغني الكبير المتأثر به. ان اكتشافك لصوتك والغناء به دون تقليد واصطناع، يعني اكتشافك لشخصيتك الحقيقية: امكاناتك وميولك وطموحاتك وحاجاتك العميقة المتحررة من روح الزيف والفخفخة والتبعية والغيرة والحسد وتقليد الكبار.
نفس الحال بالنسبة للشعوب: ان اكتشافها لهويتها الحقيقية والتعبير عنها بكل اصالة وعقلانية يمنحها الثقة بالنفس والتوزان الاجتماعي والسلام والتفاهم بين مكوناتها.
خذوا المثل التالي من وضعنا العراقي: حتى سنوات قليلة كان الوشم في العراق مرتبط بالتخلف واهل الريف!! واتذكر في طفولتي كيف ان اختي والكثيرين غيرها عملوا المستحيل لكي يمسحوا الوشم من وجوهمم ليتخلصوا من سخرية اهل بغداد ونعتهم بـ(الشراكوة)!!!
اما المرأة المسكينة التي تضع الحلقة على انفها، فيا للعار والتخلف!!
وسبحان الله كيف بدأت الامور تنقلب منذ فترة وجيزة، فترى شبابنا (المتطورين المتحضرين التقدميين.. الخ) يكافحون من اجل رسم الوشم على اجسامهم وحتى وضع الحلقات ليس فقط في انوفهم بل حتى في ؟؟؟!!
يا للعجب كيف انقلب الامر واصبح التخلف…. تطور، والقبيح جميل!!؟؟؟؟
السبب كما تعلموا بسيط جدا جدا: لأن جلالة الربة المقدسة (اوربا) قد وافقت وتبنت مثل هذه الامور!!
نعم نحن دائما ودائما نحتاج الى شهادة سيدتنا اوربا لكي نميز بين التخلف والتطور، بين الجميل والقبيح، بين التقدمي والرجعي!!
اوربا والعباءة والعقال والشروال!
صدقوني غدا لو تتبنى المجتمعات الاوربية عباءة النسوان العراقية ودشداشة وعقال الرجال وشروال الاكراد، فيقينا في اليوم التالي سوف تشاهدون غالبية (المتحضرين المتطورين) لدينا يتمخترون في الشوارع والجامعات وامام شاشات التلفزيون بالعباية والدشداشة والعقال والشروال!!!
بل نحن بسبب تبيعتنا الطفولية نقلد سلوكيات اوربا اكثر من الاوربيين انفسهم. خذوا مثلا ارتداء(القاط والرباط).. يا الله، كم اتقزز واتقزز عندما اشاهد مسؤولينا ومثقفينا الاشاوس بكروشهم المضحكة والعرق المتصبب مختنقين مثل الديوك التي تعاني القبض بتلك الاربطة الطويلة العريضة المزركشة القبيحة التي تخنق فيهم عقولهم وكرامتهم قبل اعناقهم!!
لاول مرة في حياتي اشاهد مظاهرة في شارع يرتدي قادتها الاربطة، وكان المشهد في بغداد!! ففي اوربا نفسها لا يرتدي الرباط الا قلة من موظفي البنوك ورجال الاعمال في اماكن عملهم فقط، وليس في الشارع.. ومن الطبيعي ان نشاهد القادة والاساتذة بمىلابس عادية جدا بدون قاط ولا رباط ولا هم يحزنون.
والمشكلة ان هذه التبعية الذليلة للغرب لا تتعلق فقط بالشكليات، بل خصوصا بالافكار والثقافة والمشاريع السياسية. ان سر خرابنا وفشلنا بتحقيق الاستقرار والكرامة لشعبنا ان جميع مشاريعنا السياسية الثقافية العراقية(القومية والماركسية والليبرالية والعلمانية)هي استيراد معلب وساذج من اوربا.
منذ قرن وحتى الان ونخبنا المتحضرة، قومجية وماركسجية وليبرالجية وعلمانجية تتقاتل مثل العتاوي الجائعة على مزابل اوربا!
نعم ان الامة الفاقدة الثقة بنفسها وبتاريخها وهويتها، تحتقر نفسها وتحتقر هويتها وثقافتها وتقاليدها وتحتاج دائما الى شهادة ومثال (الشعوب الكبيرة).
انها مثل الطفل الذي يحتاج دائما الى توجيهات (الشعوب الكبيرة المتطورة) لكي تكون شخصيتها وثقافتها.
ولهذا السبب بالضبط ندعوا دائما الى اعادة احياء الهوية الوطنية..