د. علي عبدالحمزه
مثلما يطالب المطالبون بأن يجعلوا على سبيل المثال تماثيلاً ونُصُباً حجرية وترابية وأعمالاً تأريخية على أن تكون من عجائب الدنيا ، وعجائب الأمور أياً كانت فهي في كل الأحوال أن تهتم في توصيف الحالة المراد وصفها والتي يجب أن تكون على قدر من الأعجاز أو الخارقية التي لن تتوفر في غيرها من الحالات ، فمثلاً مايشير إلى حضارة وادي الرافدين وما أنتجته من إبداعات وإختراعات وإكتشافات وقوانين ومُدن وغير ذلك ممن ظل خالداً على مر السنين ، ونفس الوصف ينطبق على مايشير إلى حضارة وادي النيل من إهرامات وكنوز ونتاجات لأبناء مصر الفرعونية تستحق عليها أن تكون من عجائب الدنيا ، وكل شئ يثير الأعجاب والتعجب يحق أن ينطبق عليه وصف عجائب الدنيا ، وسور الصين هو الآخر أحد العجائب التي صنعها الأنسان ومغارة جعيتا في لبنان هي الأخرى إحدى عجائب الدنيا لما تضمنته من جمال طبيعه ولوحات مرسومه بريشة الطبيعه الساحره تبحر العقل بحق وعليه فهي تستحق أن تعتبر من عجائب الدنيا ، وهناك الكثير الكثير من الأعمال الطبيعية أو التي هي من صنع الأنسان والتي تستحق أن تكون من عجائب الدنيا .ولكن الأعجاب والتعجب لايمكن له أن يكون فقط في أعمال مادية ملموسة ، وإنما العجب والأعجاب كله يمكن أن يكوت وبأستحقاق بمن قام وأخرج تلك الأعمال إلى حيز الوجود لتراه العين المجردة ، فالتعجب بالأهرامات وسور الصين والجنائن المعلقة يستحق أن ينسحب ليكون بالشعوب التي صنعت تلك الأنجازات ، ولذلك فالشعب العراقي يحق له أن يكون إحدى عجائب الدنيا لما أظهره من صبر وظفر وتجلد على مر التأريخ حين ظل على ماهوعليه من نسيج متجانس رغم عوادي الزمن التي لو مرت على غيره من الشعوب لأنقرضت ولأصبحت نسياً منسياً وحكاية من حكايا ألف ليلة وليلة ترويها الأجيال للذكرى فقط ،فالشعب العراقي يكاد أن يكون من قلائل الشعوب التي مرت به من السنين العجاف الكثير والخطير ، مر به هولاكو والتتار بماعملوا ودمروا كل شئ ، مر به الطاعون والطوفان والفيضانات المدمرة ، مرت به الحضارات المختلفة على إختلاف مراحل الأحتلال ، مر به المحتلون الفرس والترك والأنكليز والأميركيون ، مر به الموت تحت سيف من حكم وتسلط من الطغاة ، من الحجاج إلى جنكيزخان إلى الأنكليز إلى صدام وعسكره ، مر به مود وجنوده (( محررين لافاتحين))، حكمه وتحكم به الموتورون والساقطون من الطغاة والزناة ، هبت عليه عواصف الحقد الأصفر التي هدمت أضرحته المقدسة وجوامعه بيوت الله ،قتلوا أبناءه على هوياتهم وأنتماءاتهم ، فأستباحوا كل شئ ، وإستهزأوا بكل شئ ، حتى أريد لتأريخهم أن يكون مجرد ذكرى سوداء لا تُشجع على قراءتها مرة ثانية ولا تُشرف أن تُروى لتُنقل إلى الأجيال ، حوصر لأربعة عقود فكرياً وإجتماعياً وتسلطياً ، حوصر إقتصادياً ، فأكل من جوعه الحصى والنوى ، صنع المستحيل لأنه كان يرى المستقبل أمامه فظل صامداً قوياً مترابطاً ، لم ينحن للريح الصفراء ولم يتلوى لجوع الحصار ولم يستكن لظلم الظالمين ولم يرهب سيف الجلاد ولم يخف لرعب صور وأشكال القتل ، تناسل ، تكاثر ، تعلم ، بنى ، قرأ ، كتب ، رسم ، وغنَى ، فكان منه العظماء الكبار من أساتذة وأطباء ومعماريين وشعراء وأدباء وعلماء ورجال دينٍ فقهاء في كل مرحلة من مراحل تأريخه المرير ، كتبوا وأرخوا صحائفاً من نور ظلت خالدة تحكي عظمة هذا الشعب ، هذه العَظَمة التي لايمكن تفسيرها إلا برأي واحد هو إن مافي هذا الشعب من توارث للجينات العراقيه الأصيلة والكروموسومات العراقية محصور بهذا الشعب فقط ، أراده الموت أن يموت فأبى وظل خالداً ، أراده الجوع أن يموت ففكر في بدائل للغذاء وظفها لحياة أجياله فجعل من فوح العنبر مايفوق النيدو يوم حرموا أطفاله الحليب والدواء ، أرادوه الطغاة أن يخافهم ويموت فأخافهم وأماتهم وهزمهم وأطاح بهم إلى مزابل التأريخ ، فكان القناعة التي هزمت الجوع وكان الدم الذي هزم السيف !وإنتصر عليه … كتب وغنى وفرح ورقص وأبدع وأنجز وعمر وبنى بأبناءه الذين وإن تشرد بعضهم وسعوْ في مناكب الأرض ، إلا أنهم ولأنهم عراقيون أبدعوا في كل مكان حلوا فيه فكان منهم الرسامون والنحاتون والمهندسون المعماريون والشعراء والأدباء وأعضاء البرلمانات.. محاصرون وتُشترى أعمال أبناءهم الأبداعية لتكون على بوابات اليونسكو ، تُنفذ تصاميم بناته المعمارية على إمتداد بقاع الأرض ليكون للعراق أثرٌ هنا وملمسٌ هناك .. فأي شعب مثل هذا الشعب ؟ وأين نظيره ؟ في أي مكان يعيش؟ أليس في ذلك مدعاة لأن يكون الشعب العراقي أحد عجائب الدنيا يتعلم منه الناس كيف يحيون حياتهم وهم يتنقلون من حرب إلى حرب ومن حصار إلى حصار ومن ظالم إلى أظلم ؟! وكيف يصنعون من المستحيل ممكناً ليكون سهلاً ممتنعاً لمن يعتبر من أولي الألباب ليقارنوا كروموسومات خلايا أجساد العراقيين وليلاحظوا [انها كروموسومات قل نظيرها فلم يكن منها إلا هنا في العراق وشعب العراق ، أهل العراق … أليس في ذلك سبباً ومدعاة في أن يكون شعب العراق أحد عجائب الدنيا .. ليطالب بذلك علماء الأجتماع وعلماء الهندسة الوراثية وعلماء الجينات ، الجينات التي تتناقلها الأصلاب والأرحام من جيل إلى جيل ليبقى العراق دائماً وأبداً ورغم كل شئ هو العراق الذي حير فأحتارت به العقول وتعجبت له، ليكون أحد عجائب الدنيا! …
دعوه صادقة ليعمل عليها المثقفون والأدباء من غير السياسيين