مر ت المنطقة بعد 1258 بطورين انقطاعيين انجطاطيين: الأول ذاتي ساد ابانه اسلام زمن الانحطاظ السلفي منذ “ابن تيميه” والمرتكز لطلب الديناميات المرافقه للاسلام العقيدة ( الاحترابية الاستثنائية الجزيريه التحريرية، والاليات الازدواجية الامبراطورية الرافدينيه ) خارج زمنها، وبعد انتهاء الضرورة التي اوجبتها. وطور اخر ختامي متأخر، هو الطور الانحطاطي الثاني المتشبه بالغرب وظاهرته النهضوية الحديثة، والمتماهي معه.
الظاهرتان يجمع بينهما ويوحدهما عامل أساس هو تباطؤ، ان لم نقل توقف الاليات التاريخيه الذاتية بين دورتين، مع وبجانب غيابها، وتعذرها الكلي عن الادراك في حال تمظهرها، او وجود مايدل عليها اجمالا، في حين صار للظاهرتين تجل أخير تجسد من خلال بؤرتين، فكانت مصر وساحل الشام مركزا نموذجيا وبوتقة التعبير الاتباعي الاستعاري، في حين احتلت الجزيرة العربية، موقع وحالة التطبيق السلفي، عزز ذلك في الحالة الأولى الأحادية النموذجية التاريخية المصرية الأدنى، القابلة للمضاهاة بالنموذج الغربي ايهاما، ومقابلها ارض انطلاق ومسرح الوثبة النبوية الأخيرة، ومانتج عنها من مجتمع عقيدي، ودولة لادولة أحادية/ نبوية راشدية/ محاربة، اضطلعت بمهمة تخليص المنطقة وقتها من وطاة الامبراطوريات.
وتجتمع الظاهرتان توقيتا تحت طائلة النهوض الغربي وانعكاساته وحضوره، كما تهديده المباشراحيانا، فالتغلفل الغربي الحديث، البرتغالي الاسباني الهولندي قبل الإنكليزي في الساحل الخليجي، ابتداء من القرن السابع عشر، كرر اليوم لمحة تذكر بتلك التي سبقت الثورة الجزيرية في القرن السابع، وكانت باعثها الرئيسي، بما تسببت به وقتها من التازم القبلي المجتمعي الجزيري، نجم عن الاختناق المتولد عن انقطاع شريان التجارة الواصل من الجنوب حيث البحر العربي وماوراءه، ذهابا الى الشمال حيث الهلال الخصيب، مخترقا الجزيرة العربيه، ومانحا إياها مصدرا ضروريا لحفظ التوازن داخل المجتمع القبلي المحكوم لاقتصاد الغزو، بتامين جانب من الدخل المساعد على عدم احتدام الغزو كممارسة، يمنعها من الوصول الى الاحتراب الدائم تحت الحاح الحاجة، غير المتاح توفرها بالحد الضروري داخليا، وهو ماكان تسبب به الاحتلال الفارسي بعد انهيار بابل، بغلقه حهة البحرجنوبا، بمقابل حضور الاحتلال الروماني شمالا، ناهيك عن المحاصرة والتطويق، وصولا لمحاولات الاختراق التي كان يمنع حصولها مستوى الاحترابيه الجزيرية الاستثنائي، في مجتمع، الاحتراب فيه ليس اختصاصا، بل كينونة مجتمعية، الى جانب الصعوبة التضاريسيه.(1)
وبهذا يكون شكل حضور الغرب في الشرق المتوسطي، ونوع توزعه قد تسبب في تكريس ثنائية التعبيرية “الحديثة” باسم استعادة الماضي الغارب من جهة، مقابل الانتساب الى الحاضر عبر نموذج حاضر مستعار من الاخر وظاهرته النهوضية الراهنه، والتعبيران هما شكل ردة الفعل الممكن تصورها في كيانيه نمطية بعينها(2)، ولحظة تاريخيه محدده، هي تلك الانقطاعية بين دورتين مع متبقيات الدورة الثانيه، ورمزياتها، والعناصر الممكنه الفعل راهنا وفي اللحظة المحدده ضمنها، ذلك مع الاخذ بالاعتبار كون هذه المنطقة ذات خاصيات مجتمعية، ونوع كيانيه متعد للمحلية، وانها مجال حاضر ديناميكي على المستوى التفاعلي الكوكبي، صاعد من خلال التفاعل، عرف حضور امبراطوريات الشرق والغرب المتعاكسة فوق ارضه، بعد دورته الأولى التاسيسية، ورد على حضورها بتدرجات ابراهيمية تبدا مع المسيحية، ثم بدورة صعود نهوضية هي الثانيه، التي انهارت بعد قرابة خمسة قرون، فاتحة الباب امام دخول المنطقة أخيرا حالة التفاعليه الاخيره الراهنه الثالثة، والتي تبدا مع نهوض الغرب الحديث.
ذلك يعني من زاوية التاريخ المجتمعي الابتدائي التاسيسي، وموضعه البدئي الشرق متوسطي، ان الظاهرة الغربيه الراهنه هي ظاهرة ضرورة مؤقته، هذا اذا انتقلنا من زاوية النظر الالتحاقية التي تلغي ذاتها لصالح الاخر ضد حركة التاريخ وقوانين تجليه، الى تلك التي تحاكي المنطوى المضمر في العملية التاريخيه التصيرية المجتمعية، بحسب منطوياتها ومحركاتها الأساس كما هي مودعه في الكينونة المجتمعية، وخارجة في الوقت عينه عن الادراك العقلي راهنا، اخذين بالاعتبار مسالة التفارق المجتمعي العقلي، وموضوعيه قصور العقل بإزاء الظاهرة المجتمعية بنظر الاعتبار، وبالذات عند اللحظة التي تكون فيها، او تتحول الى معضلة اشتراطية، يستحيل معها وعندها استمرار العملية المجتمعية التاريخيه، هذا في الوقت الذي تخضع فيه المنطقة لوطاة مايمكن تسميته حالة القصور الأقصى، يسود خلالها في افضل الأحوال، وحتى عندما تكون الاليات الراهنه حية، او تعود للانبعاث، المنظور او شكل الاعقال المستعار من الماضي، وتحديدا من متبقيات الدورة الثانيه، او مماممكن استعارته، وصار غالبا كوكبيا مع صعود الغرب الراهن، ونموذجه ونوع تفكره.
ونجد اكثر اشكال التناقضية بين الراهن المنبعث، ان وجد، ونوع الاعقال المتاح في حالة بعينها لها أهمية ودور غير عادي ومحوري تاريخيا، هي حالة مابين النهرين، وعملية الانبعاث الثالث التي عرفتها مع القرن السادس عشر، وهي المظهر الوحيد المنتمي للحاضر بلا نطق، ماقد تداخل مع نوع خصوصيات انبعاثية و مستجده، لم تكن قدعرفت في هذا المكان من قبل ابان الدورتين السومرية البابلية الابراهيميه الأولى، والعباسية القرمطية الانتظارية الثانيه، فالدورتان الأولى والثانيه كانتا قد نشاتا واكتملتا بنيه من دون عوائق كيانيه من تلك المجاورة، ابتداء بسبب السبق والبكورة الرافدينيه التي منحت ارض الرافدين مدى زمنيا من التشكل، قبل ان تتبلور الكيانات المجاورة، ثم وفي الدورة الثانيه، بفعل عملية الفتح التي اضطلعت بها الجزيرة العربية شرقا وغربا، ممهدة الطريق للصعود الامبراطوري العباسي القرمطي الانتظاري، الامر الذي تبدل اليوم فغلب على الدورة الراهنه حضور اشتراطات الانهيار ومتبقياته من جهة، لانه نشأ وتبلور ذاتيا لاكما الحال في الدورة الثانيه التي ابتدات بعد تحرير الاليات الذاتيه المعطله لاسباب ذاتيه/ وبحكم وطاة الاحتلال الفارسي، بل مثله مثل الدورة الأولى، مع اختلاف هو حكم متبقيات ونتائج الدورات والانقطاعات، ماقد جعل التشكل الثالث الحديث يسير صعدا مضطرا تحت وطاة الاحتلال او اشباهه، التي تأخذ بالتركز تواليا في عاصمة الدورة الثانيه المنهارة منذ عام 1258، ماقد اوجد منذ القرن السادس عشر صيغة فريدة اضافيه من نتاج ومتولدات خاصية الازدواج، صارت ارض الرافدين ابانها عراقان كما هي جغرافيا(3): عراق متبقيات الدورة الثانيه وعاصمتها الإمبراطورية المنهارة بغداد، وعراق التشكل الحديث الثالث ومجاله جنوبا في المنتفك، او سومر الحديثة، والنجف .
الاختلاف الأهم هو ماكان قد طرا على التشكلية الراهنه من اختلاف جوهري عن ذلك الأول، مع انهما نشاءا ذاتيا بين حالة صافيه ومواجهة بكورية مع الوجود، ماقد اقتضى عملية اعقال أولى، طرفاها، العالم والوجود من جهة قبل فك رموزه وغوامضه، والبنية السومرية اللاارضوية، اول شكل مجتمعي وأكثره دينامية على وجه الكوكب الأرضي. وهو اللقاء المنكسر الأول، والمحبط الممنوع من التحقق لصالح الأحادية المجتمعية الغالبه، والواجب تغلبها ضرورة، ماقد تحول ابان الدورة الثانيه وبعد انقطاعين الى عبء هائل متراكم، نقل المواجهة التشكلية نطقا اليوم، من الابتداء التشكلي والمنطلق، الى النهاية، والى مابعد حضور اعلى اشكال الأحادية النموذجية الكيانيه والمفهومية، تغدو المواجهة اليوم بموجبه، لامع الوجود البكر ومهمه اعقاله من عدم، بل اعقال المجتمعية نفسها، وكسر وطاة القصور العقلي إزاء الظاهرة المجتمعية، المستمر الى اليوم، والذي ظل يحول دون حضور مجتمعية الازدواج وجوهرها التحولي، كمحور، وغاية أساس في الوجود المجتمعي، الامر الذي كان يتطلب وبفرض على التشكلية الرافدينيه اليوم، حالة تشكل بلانطقية، تستمر الى مابعد حضور اعلى اشكال وتجليات الأحادية الغربية.
ابان ذلك تبقى المنطقة برمتها محكومة لاشتراطات اللانطقية والانصياعية لنموذج الغرب وللسلفية المستحيلة التي يطرا على كينونتها التاريخيه عامل حاسم من خارج بنيتها، يعزز طبيعتها القبيلة اللاعقيدية، ويجعلها ممكنه كصيغة ايهامية استثنائية، تستعمل العقيدة كايديلوجيا ريعيه، وتقلب بنية المجتمع الجزيري، من الاحتراب بدل العمل في الأرض، الى البطالة المجتمعية، والعيش تحت الاعالة من فوق، تمارسها قبيلة ال سعود، بالاندماج باقتصاديات الغرب بلا تغرب غير ممكن ولا متاح بنيويا.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم تكن الوهابية من دون حوافز محركة قد تدخل ضمن الاشتراطات وعوامل تحريك “وطنية” اللادولة الأحادية الاحترابيه في طبعة ناقصة، وغير ممكنه بالمقارنه بتحقق مجتمع اللادولة الأحادي الجزيري المحمدي الراشدي، النموذجي، والمتناسب من كافة الوجوه مع ممكنات التحقق وقتها، وبالذات جانبها الاحترابي الاستثنائي في حينه، والذي فقد استثنائيته مع تطور الاحترابية على المستوى الكوكبي، وبالمقارنه بالفتح الجزيري الأول وتمكن مائة وعشرين الف مقاتل خرجوا من الجزيرة العربية من اسقاط امبراطوريتين، والوصول الى حدود الصين والهند شرقا، واوربا غربا، فقد هزمت حركة “محمد بن عبدالوهاب” تحت راية ال سعود من قبل شخص مثل “محمد على” الالباني المصري، استطاع ان يدحرها في عقر دارها.
(2) منطقة شرق المتوسطية التي نقصدها، هي كيانية احتشاد الأنماط المجتمعية المعروف على مستوى المعمورة: الازدواجي الامبراطوري التحولي الرافديني، واحادي الدولة المصري، واحادي اللادولة الاحترابي الجزيري، مع حالة اللانمطية الشامية التي لاتتحقق كيانيا، وتلك هي الأنماط المجتمعية على مستوى المعمورة وجدت في هذه الرقعة بالذات مجتمعة بصفتها كيانية تفاعليه موحدة.
(3) يعرف العراق من قبل الجغرافيين قديما بعراق السواد وهو القسم الممتد جنوب بغداد الى الفاو، وعراق الجزيرة الأعلى.
الشرق متوسطية على مشارف اللاارضوية؟/3
اترك تعليقا