إياد مهدي عباس
لم يعد خافيا على احد إن الشراكة بين القوى السياسية في العراق قد وصلت إلى نهاية النفق ولم تعد تجدي نفعا بل أصبحت عبئا على العملية السياسية وعلى المواطن العراقي وساهمت في إهدار الزمن والجهد طيلة الفترة الماضية حيث باتت الشراكة سببا في
تعطيل التشريعات علاوة على كونها سببا في تأجيج الصراعات السياسية التي وصلت حد الإرهاب السياسي والطائفي الذي يهدد به البعض بل ويمارسه البعض الآخر في سبيل الحصول على مكاسب سياسية من اجل إزاحة الخصوم الآخرين .
ومن خلال متابعة الأحداث وتسلسلها الزمني لاسيما قضية المطالبة بإقامة الأقاليم وقضية الاعترافات التي عرضت عبر قناة العراقية والتي تتهم طارق الهاشمي بضلوعه في جرائم ضد الشعب العراقي وتصريحات صالح المطلك والمطالبة بإقالته , من خلال متابعة هذه الاحداث وتداعياتها يمكننا القول بأن المشكلة الأساسية في العمل السياسي في العراق هي أزمة الثقة التي تعصف بالتجربة العراقية منذ انطلاقها وتظهر جليا في منحنياتها مع كثرة الإشكالات التي تولدها هذه الأزمة وانعكاساتها المريرة على عمل الحكومة وعلى المواطن العراقي , وهذا ما لا يخفيه السياسيون بل يعبرون عنه في خطاباتهم بكل وضوح، متهما كل طرف الطرف الآخر بمحاولة السيطرة على مركز القرار، الأمر الذي جعلنا نشهد صراعا مستمرا على السلطة وتقاسمها تحت عناوين التوافق والشراكة الوطنية والتوازن السياسي .
وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى أزمة الثقة هذه، إلا أنها ساهمت في تعطيل الكثير من المفاهيم والممارسات الديمقراطية، فضلا عن تأخير الكثير من التشريعات والقوانين كما أسلفنا والتي لن ترى النور إلا بحصولها على التوافق السياسي من قبل الجميع، وهي آلية عقيمة أثبتت فشلها وأدت إلى شلل المؤسسة التشريعية، الأمر الذي يعرقل ويؤخر عجلة البناء المؤسساتي والعمراني والخدمي في العراق .
وهناك حقيقة لابد من الإشارة إليها وهي إن الشركاء تحولوا إلى أعداء فأخذ البعض يراقب عمل الحكومة وينتقدها ويهاجمها بالرغم من انه جزء منها وكأنه يلعب دور المعارضة السياسية ولكن عبر وجوده في الحكومة لأنه ببساطة لا يريد أن يترك حصته في الكعكة وفي ذات الوقت يحاول إفشال عمل الحكومة وهذا ما لم يحدث في أي تجربة ديمقراطية , فلا يخفى على أحد أن جميع الديمقراطيات الأصيلة في العالم تحرص على وجود معارضة سياسية في البرلمان تأخذ دور الرقيب والموجّه لعمل الحكومات. ويختلف البعض في تعريفها، والسبب في هذا يعود إلى اختلاف هذا المفهوم بين طرف وآخر تبعا لإطاره السياسي وثقافته التي يستمد منها منظومته المعرفية. وهذا يسمح بظهور الكثير من الرؤى والآراء المختلفة التي يرى بعضها في تعريف المعارضة أنها قيمة سياسية ديمقراطية تفرض نفسها على أي عملية سياسية ناضجة تكون فيها المعارضة هي الوجه الآخر للحكومة والمرآة التي ترى هذه الحكومة أداءها من خلالها. ويضع البعض المعارضة في خانة معناها اللغوي ويضع تحت عنوانها كل من عارض أو اعترض على الواقع القائم، دون النظر إلى أهداف هذه المعارضة أو بنيتها.
وفي التجربة العراقية نجد أن الكثير من مستلزمات الديمقراطية ما زالت لم تتحقق، وفي مقدمتها عدم وجود هذه المعارضة التي تعد الممثل الشرعي لرقابة الشعب على الأداء الحكومي والصوت الذي يسعى لتحقيق الازدهار والنمو من خلال إيصال المطالب الشعبية إلى السلطات التشريعية والتنفيذية في الدولة والاشتراك في العمل التشريعي خدمة لقضايا المواطن من خلال وجودها في البرلمان .
خلاصة القول إن العمل السياسي والبناء الديمقراطي يفرض علينا بعد فشل حكومة الشراكة الوطنية أن نعترف بالفشل ونبدأ من جديد ونتوجه إلى حكومة الأغلبية السياسية ليتجه المعترضون إلى لعب دور المعارضة الإيجابية خارج السلطة ليكون كل طرف في مكانه الصحيح ونتخلص من الصراع المحموم بين القوى السياسية .