الدكتور زاحم محمد الشهيلي – الشمري
من الطبيعي أن يكون للإنسان منذ الطفولة “شخصية قانونية” تمكنه من اكتساب الحقوق، وكذلك ترتب عليه التزامات قانونية واخلاقية لاداء دوره في الحياة وتنفيذ رسالته في المجتمع. ولكن رغم تمتعه بهذه الشخصية اضحى الانسان عاجزا عن القيام بكافة المتطلبات والالتزامات في الحياة الإجتماعية لاسباب عديدة منها: عدم القدرة العلمية والعملية على الالمام بكافة المهام الموكلة اليه، وانتهاء حياة الشخصية بالوفاة التي تعطل قدرتها على الايفاء بالالتزامات القانونية في المحيط الاجتماعي.
ولذلك باتت هناك ضرورة حتمية لمنح الأهلية القانونية الى أشخاص آخرين من خلال الممارسة الديمقراطية (الانتخاب) لإدارة شؤون المجتمع بكافة اشكالها حسب الاختصاصات المهنية والعلمية التي تؤطر طبيعة الاعمال الموكلة لتلك الشخصيات (التكنوقراط). ووفقا لهذا التوصيف تشتق نظرية “الشخصية المعنوية” التي يتم على اساسها منح القانون للشخصية القانونية حيث يتمثل فيها الى جانب ذلك “الإنسان” الذي بات يطلق عليه “الشخص الطبيعي”.
وهنا تنشأ مجموعتان في النظام الاجتماعي: 1) مجموعة الأفراد الذين مُنحوا الأهلية القانونية لإدارة الأموال والشؤون السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية والثقافية في إطار لوائح وقوانين تنظم الشروع في الادارة والتنفيذ، وتقيد اخلاق الشخصية المعنوية ذات الأهلية، وتوجه حركة المال العام بضوابط في اطار منظومة الدولة، التي تتمتع بالشخصية القانونية والمعنوية. 2) مجموعة الأفراد ذوي الشخصية القانونية الذين يمثلون الشعب مصدر السلطات وصاحب التفويض.
وعليه يترتب على الشخصية ذات الأهلية التزامات قانونية واخلاقية سواءً على مستوى السياسة والعلاقات الداخلية أو على مستوى العلاقات والالتزام الخارجية، حيث تنسب التصرفات الايجابية والسلبية لبعض الافراد – المسؤولين الى الدولة التي ينتمون اليها. وهذا الامر ينسحب على ابرام الاتفاقيات من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزير مع دولة اجنبية معينة، والتي تكون مُلزمة للدولة قانونا ضمن آليات التنفيذ، كذلك حين يتم طرد مواطن اجنبي من اراضي الدولة بأمر من وزير الداخلية مثلا تترتب عليه مسؤولية هذا التصرف.
لذلك يعد، من الناحية القانونية، كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزير والمشرع القانوني موظفين لدى الدولة التي تتمتع بشخصية قانونية تميزها عن شخصية المسؤولين الحكوميين، وبالتالي ينظر الى الدولة، حسب المختصين، على انها ” مؤسسة لها نشاطها القانوني، حيث يترتب على ذلك تمتعها بحقوق وبالمقابل تتحمل واجبات ومسؤوليات، ويعد الاعتراف للدولة بشخصية معنوية وقانونية مستقلة مفسرا للكثير من التصرفات والظواهر.” وبهذا التوصيف تسقط أقنعة دكتاتوريات الشخصيات “القانونية” و”المعنوية” للأفراد والمؤسسات التي تدعي “أنا الدولة” و “انا القانون”، والتي تمحق في تصرفاتها الشخصية القانونية للدولة وتُذهب هيبتها المعنوية بعيون الافراد والجماعات والأمم الاخرى.