الشاعر نصر خطيب في ديوانه “شوق ترويه حبات المطر” يكتب عن الحب والحياة
بقلم: شاكر فريد حسن
كان الصديق الشاعر والكاتب نصر خطيب من بلدة بيت جن الجليلية، أرسل لي مشكورًا، ديوان الشعري الأوّل الموسوم “شوق ترويه حبات المطر” الصادر قبل فترة وجيزة عن منشورات دار الحديث للإعلام، والنشر، لصاحبها الشاعر والكاتب الإعلامي فهيم أبو ركن.
يقع الديوان في 115 صفحة من الحجم المتوسط، وجاء بتصميم وطباعة أنيقة وغلاف قشيب، ويتضمن باقة من أشعاره وقصائده الوجدانية والعاطفية والإنسانية والوطنية والاجتماعية، ويهديه إلى “القلة القلية ممّن يقرؤون، هم ليسوا لوحدهم. والقراءة تُشعرهم بحياة ثانية، وبأهمية الاختلاف بين البشر، وتقبّل الآخر. ويعرفون كيف يتمتعون بما قرأوه، وإن خالف ذوقهم ورأبهم. وإنّ الإنسان قد يتغيّر بعد قراءة كتاب. وإلى عائلتي عسى أن تكون كتاباتي توثيقًا لذكرى طيبة”.
وجاءت مضامين الديوان على تنوعها ضمن خيط فنّي بقالب شعري مألوف من حيث الشكل، ومميز ومبهر وأخاذ من حيث الأسلوب في التعبير، واعتماد الصور الشعرية الحسيّة والحيّة، واللغة الأنيقة الآسرة، والعناصر الفنية التي تغلغلت في باطنها أساليب البوح الشفيف والرهيف.
وفي قصائد الديوان يحاكي نصر خطيب الحُبّ والمرأة والحبيبة والوطن والطبيعة الخضراء الخلابّة، ويغازل العيون منبع الوفاء، وكلّه شوق للعشيقة، ويصور الألم والوجع الإنساني والواقع الاجتماعي، ويتساءل عن غياب وموت الضمير، ويرسم صورة جميلة ورائعة لقريته المتربعة على صدر الجليل الأعلى، التي يكحل عينيه من عينيها، وتدغدغ صدره رائحة الزعتر والقهوة المهيلة، ويرشف نسيم العطر من حنينها، ويبشر بميلاد جديد قادم.
وتطغى النزعة الرومانسية على نصوصه وتسيطر على روحه، ونراه متعلقًا بكل المظاهر الطبيعية في الكون، يتأملها ويستوحي منها صوره الشعرية المبتكرة الجديدة المميزة، ويخلع عليها مشاعره.
ومن خلال قراءتنا لقصائد الديوان يتجلى بكل جلاء ووضوح أن نصر شاعر عذب رقيق وناعم يمتلك حسًا إنسانيًا، ونفسًا شعريًا، وصاحب موهبة حقيقة مرهفة، يسكب مشاعره وأحاسيسه الدافئة من خلال ما يخطه شعريًا، وتبدو نفحاته بكل العذوبة والرقة والجمال والشفافية في قصائد الحُبّ والعشق والغزل.
ومن جميل قصائده في هذا الجانب العشقي العاطفي، راقت لي قصيدته “شوق” التي يستهل بها ديوانه، ويذيل بها غلافه الأخير، وهي قصيدة رومانسية في غاية الرقة والروعة، تمزج بين الهوى ومعاناة البعد والشوق العاصف الذي ترويه حبات المطر، ونلمس في سطورها مشاعر نابضة دفّاقة ومعانٍ إنسانية راقية، حيث يقول:
يَنْتابُنِي شّوقٌ لحبِّكِ حَيثُما
لاحَ الجمالُ، ومّن بهِ مترنِّما
ها أنتِ تَختالينَ في قلبٍ سّمَا
بِمحبّةٍ، ما عانقتْ إلّا السَّما
وأنا بِعشقِكِ، عائمٌ بحرَ السّنا
وشواطِئي، تمتصُّ حبًّا ناعمِا
يا بلسَمَ الجرحِ الّذي في بُعدِها
الشّرخُ عادَ مُعانِدا قلبي، دَمَا
وكأنِّي أدمنتُ خمرةِ حبِّكِ
حُلْوٌ مَشارِبُهَا، وريقُكِ بَلسَما
ما غادرَ الأحبابُ، عن متقاعدٍ
ولكُمْ حنينُ فؤادِنا يتجوّلٌ
والشّوقُ يخفقُ في فؤادي، من هوًى
والقلبُ عنّي، في هواكُمْ يرحلُ
ما غابَ مَنْ يهواهُمُ نهرُ النّوى
معظم قصائد الديوان تبنى حول مشهد معين، أو فكرة واحدة، وتنأى بنفسها عن الإنشاد الحماسي والأناقة الرخوة، وإن كان الشاعر لا يغادر غنائيته المسلحة بالوزن والقافية في الكثير من الأماكن والمواقع، وقصائده تميل بمجملها إلى القصر والاختزال والتكثيف من ناحية، وطويلة في أحيان أخرى، وتأتي اللغة نفسها مطواعة، بما فيها مزيج من المهارة والتلقائية والعفوية الصادقة. فنصر يعتني أشد العناية بقاموسه اللغوي والتعبيري، ويبذل جهدًا واضحًا باختيار ألفاظه وانتقاء مفرداته، وفي التزويج بينها والهندسة الخالصة فيها.
وما يميز قصائده ذلك الصدق التعبيري التلقائي والوضوح الممزوج بالإيحاءات والتعابير السلسة، وجمالية الإيقاع والموسيقى المتجلية في القوافي، فضلًا عن الاناقة المفرطة في اللفظ والتعبير، والإسراف الجمالي في اللغة. فهو يلبس ألفاظه حُلّة جديدة مجازية، ويوظف الاستعارة التي تحلّق بنا في عالم الخيال، وتعرض لنا أشكالًا من الصور البيانية الرائعة.
إننا أمام شاعر جميل أنيق في نمط القصيدة النثرية وقصيدة التفعيلة والعمودية، ملتزم بالقضايا الإنسانية والوطنية، يعيش قصيدته بعاطفة صادقة قوية، وداخل لحظة الإبداع، جاءنا بنصوص شعرية خفيفة الظل، سهلة، واضحة المعاني، وبعيدة عن تعقيدات الصورة واغتراب اللغة، وقدم لنا شعرًا وجدانيًا جميلًا، مبعثه خلجات النفس الحرّى، والروح العذبة، والوجدان الرقراق، يفوح منه شذّى وعطرًا يشتمه القارئ والمتلقي فتتفتح أساريره.
نصر خطيب في ديوانه شاعر يجترح ولا يكرر، يهتم بالعلاقة بين السطور كوحدة جمالية، وأتحفنا بقصائد رومانسية وعاطفية ووجدانية بلا زخارف لغوية، حاكتها ونسجتها ثورة النفس المشرقة بالحُبّ والروح الإنسانية المفعمة بجماليات الأشياء.