السّاحرُ البابليّ
د. أسماء غريب
*
حينما وصلتُ إلى مقامِ بابل
وجدتُ أمام باب القصر
حمّورابي العظيم
سألني من أنتِ؟
أجبتُه: أنَا أنَا
قطّبَ حاجبيْه ثمّ واصل:
هذه أنانية منكِ
وأنا لا أقبلُ بها في حضرتِي
قلتُ له: تقبل أو لا تقبل
هذا أمرٌ لا يعنينِي
فقد علّمَنِي ساحرُ بابل الكبير
أنه منْ لمْ يُحِبّ نفسَهُ
فلا يمكنهُ أنْ يُحِبّ الآخرين أبداً
وأنّ كُلّ شيءٍ ينطلقُ من الأنا
مهما حاولَ العارفونَ السّاديون إنكار ذلكَ
وتقزيمَ ومَحْوَ أو تخريبَ هذه الأنا
لذا فإني أعيدُ تعريفَ نفسي للمرّة الألف أمامكَ:
أنا أنا، وأنتَ أنتَ
وشتان بين الأنا والأنتَ،
وبين النَّحْنُ والهُمُ
أم تراك لمْ تسمعْ بقولهِ جلّتْ قُدْرَتُهُ
لمَنِ المُلكُ اليوم؟
واصلتُ وأنا أشبكُ ساعديّ أمام صدري
فغضبَ المَلكُ مرة ثانية وقال:
لا يهمُّني لمن يكونُ المُلكُ اليوم أو غداً
أريدُ أنْ أعرفَ منْ هذا السّاحرُ البابليّ
الذي ملأ رأسكِ بالخزعبلات
وألّبَكِ ضدّي
من يكونُ، أهُوَ هاروت أم ماروت؟
فابتسمتُ وقلتُ:
يا لجنون العظمة الذي ينخرُكَ يوما بعد يوم
أيُّها الملكُ “الكبيرُ”
لكن اعلمْ أنهُ فوق كُلّ مَلِكٍ مَلِيك
وفوق كل ذي عِلْمٍ عليم
ولا ماروت يعنيني
ولا حتّى صاحبه هاروت
ولا شأن لي أبداً بعلومِهِمَا
فالفراتُ يا صاحبي
هُو ساحري وكاهني اللّطيف
وفيه كفايتي
وهو العارفُ الكبيرُ
الذي علّمنِي كيفَ أكونُ أنا
ولا أحدَ آخرَ غيري
والمُلْكُ اليومَ ليسَ لكَ
ولا هُو لي
يا حمّورابي
وإنّما لله الواحد القهّار
صاحبَ المقام الرّفيع
يلقي الوحي على القُلوب
ساعة اللقاءِ والفناءِ
عساها تحيا ذات يوم
في عينِ الجمع والجُموع،
فهل سمعتني يا عزيزي حمّورابي؟
ولولا مقام الأنا هذا يا صاحبي
لكُنّا جميعاً من الهالكين.