السياسيون مدعو التدين
صالح الطائي
محمد بن عبد الله نشأ يتيما فقيرا، وأصبح سيد العالمين، تخضع له كل جزيرة العرب والشام، لم يكن يملك قصورا ولا مناطق خضراء، كان يسكن غرفة مرتبطة بالمسجد الذي يؤدي فيه صلاته، ويقود منه دولة الإسلام، لم يكن له خدم وحشم وحراسات وجيوش تحيط به حينما يخرج من بيته ويتجول في الطرقات، ولم يكن يملك سيارات مدرعة حينما يرحل من مكان إلى آخر.
لم يكن في بيته أكثر مما كان في بيوت أتباعه، لا مرمر، ولا شذروانات، ولا حدائق العريف الغناء، ولا أواني الصين، ولا أواني من ذهب وفضة، ولا فراش ترف فارسي، ولا أساطين وأعمدة الروم، ولم يكن له طعام إلا مما يأكلون، فإذا أجدبوا وجاعوا، أجدب وجاع معهم، وكان حينما يأتيه فقير لا يدري ماذا يعطيه لأنه لا يملك إلا أقل القليل، أخرج أحمد عن أم المؤمنين عائشة، قالت: “انه ليأتي على آل محمد الشهر ما يخبزون خبزاً ولا يطبخون قدراً”.
محمد بن عبد الله رغم الفاقة والعوز، كان كريما لا يبخل على أحد مما في بيته من قليل، يروي أحمد أن امرأة دخلت على عائشة ومعها ابنتان لها، فأعطتها تمرة، فشققتها بينهما”، ولم تتذوق منها، ولو كان في البيت أكثر من تلك التمرة اليتيمة، لأعطتهم أكثر.
وفي أيام الخير، كان يمكن أن تكون في بيت محمد بن عبد الله أكثر من تمرة واحدة، ولكن ليس أكثر من ثلاث تمرات، أخرج أحمد عن عائشة، قالت: جاءتني مسكينة، تحمل ابنتين لها، فأطعمتهما ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها” ولم تكن في البيت أكثر من هذه التمرات لتعطى الأم تمرة أخرى.
هذا محمد بن عبد الله رسول الله ونبي الأمة وقائد المسلمين؛ الذي خلد أسمه على مدى أربعة عشر قرنا، وسيبقى خالدا إلى يوم الدين، فماذا سيكون موقف حكامنا ونوابنا الذين يقبضون ملايين الدنانير ولا يقدمون منها تمرة واحدة إلى فقير؟
وهل من حقهم أن يتسمون باسم الإسلام والإنسانية؛ وهم يرفلون بالعز ويتمرغون بالدولارات، ثم يطالبون شعبنا الفقير المنهك أن يشد الأحزمة على البطون لكي يقاوم الجوع؟
نعم العراق يمر بأزمة كبيرة، وهي أزمة مفصلية لا يمكن تجاوزها إلا إذا ما تعاون الجميع، ونحن نشعر بوطأتها، ونتمنى الخلاص منها، فلماذا ينأون بأنفسهم ولا يسهمون في تجاوز الأزمة من خلال التنازل عن بعض ترفهم وقليل من غناهم، وبعضا من ثرواتهم الطائلة المكدسة في المصارف العالمية؛ التي سيكوى بها على جباههم وجنوبهم يوم الدين، لأن دعوة الفقراء ليس بينها وبين الله حجاب، ودعوة المجاهدين المرابطين من أبناء الحشد الشعبي والقوات المسلحة بوجه الدواعش المجرمة ليس بينها وبين الله حجاب. وإذا زالت الحجب بين الله وعبده يصبح يد الله التي تضرب، فاحذروا يد الله أيها السياسيون قبل فوات الأوان.
السياسيون مدعو التدين
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا