السياسة الأمريكية وضجيج انتخاب الرئيس
بقلم: الدكتور زاحم محمد ألشمري
مما لاشك فيه إن الولايات المتحدة الامريكة لم تقم وتصبح إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وبهذا الحجم والقوة، نتيجة لمغامرة قام بها ثلة من السياسيين أو القساوسة، وإنما ولدت من رحم معاناة كبيرة بعد مخاض عسير تمثل بالحرب الدموية التي أزهقت فيها الأرواح ومزق البيض الأجساد السوداء لكي تصبح أمريكا على ما هي عليه الآن. ولم يحدث ذلك كله دون تخطيط وحسابات دقيقة لما آلت إليه الإحداث في الماضي والحاضر وما ستؤول إليه في المستقبل، ولم يكن رجالات الكاوبوي من رعاة البقر سياسيين ساذجين همهم نهب المال العام والقتل والإرهاب وسفك الدماء، كما يصورهم البعض، وإنما كانوا وما زالوا رجالات سياسة واقتصاد وثقافة أكفاء، ذو عقول نيرة يحبون أمريكا ويحرصون على كيانها قبل إن يحبوا أنفسهم وأبناءهم.
وفي إطار هذا المنظور استطاع الأمريكان أن يبنوا نظم سياسية واقتصادية ودستورية لإمبراطورية عملاقة استطاعت أن تقض مضاجع الدول المتطورة الأخرى وتتفوق عليها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً وثقافياً واجتماعياً، لتؤسس لحضارة حديثة فتية تسابق الزمن. وحين ننظر إلى هذا التفوق وإدامة الزخم في القوة الضاربة ونحلله نجد انه لم يأتِ من فراغ، وإنما يسير ضمن أجندة معدة سلفاً من قبل صناع السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية التي لا يستطيع الرئيس الأمريكي تغييرها بسهولة. وعليه أصبح الرئيس أكبر موظف في الإدارة و”أداة تنفيذية” لما يقدمه المطبخ السياسي من موائد جاهزة يتم إعدادها خلف الكواليس حسب أهمية الضيف، لكنه يمتلك الصلاحيات المحددة التي توقر هيبة الرئيس الأمريكي.
وبناءً على ما تقدم يمكن القول إن مغادرة أي رئيس أمريكي للبيت الأبيض ومجيء آخر إلى كرسي الحكم، سواءً كان اسوداً أم ابيضاً، مسلماً أم مسيحياً أو يهودياً، لا يغير من النهج السياسي الأمريكي شيئاً سوى قيادة المركبة الفضائية الضخمة برعونة أو بهدوء لتأخذ مسارها الصحيح بين المجرات والإجرام السماوية، والتي تمثل إمكانية السيطرة على الخط البياني للسياسة الأمريكية في التصعيد والتهدئة … وعليه يجب أن لا يعول البعض من أصدقاء أمريكا وأعداءها وبعض المحللين وفقهاء السياسة ويبني آمالاً كبيرة على انتخاب الرئيس، فالسياسة الأمريكية ذات مسار ثابت تحركه المصالح يمينا وشمالاً، وما الرئيس إلا أداة لتنفيذ الأجندات المعدة مسبقاً دون مراعاة لمشاعر ومشاكل الآخرين الذين تتضارب مصالحهم مع المصالح الأمريكية العليا أو الدنيا.
لذلك، لا بوش ولا اوباما، ولا ترامب ولا كلينتون، يستطيع منفرداً وبإرادته المحضة أن يعزف على الأوتار الحمراء للسياسية الأمريكية الخارجية أو الداخلية لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، لان كل قرارات الرئيس محكومة بأجندة معدة مسبقاً أو تحكمها المصالح الأمريكية فقط، وعليه يبقى ضجيج انتخاب الرئيس الأمريكي لا يسمن ولا يغني من جوع بالنسبة للأصدقاء والأعداء المتأملين خيراً منها.