السماح : قصة قصيرة
ما كنتُ أظن أنني سأكون قادرة على نسيان كل إساءاتها القديمة والمتكررة ضدي ، ولم أكن أعلمُ أن جميع محاولاتها الناجحة لجعلي أبدو أضحوكة في عيون الأخريين ، سوف تجد مني غفرانا ورغبة في السماح ، لقد ساهمت كثيرا في جعل حياتي عسيرة لا تطاق وتبديد صبري والقضاء على قوة احتمالي الذي يشهد الكثيرون بحسنه ومنعته ، رأيتها هذه اللحظة ضعيفة مستسلمة ، خائرة القوى ، تناديني عيونها ، التي جفت عبراتها أن أتدخل لمساعدتها بعد أن وجدت نفسها وحيدة وقد تخلى عنها الأصحاب والأحباب ، لسانها الطويل الذي طالما تسبب في الإضرار بالآخرين أجده أخرس لا يحسن الدفاع عن صاحبته التي أوردته كلماتها غير المسئولة موارد التهلكة ، صمم الكثيرون على النيل منها والثأر لكرامتهم المطعونة أمام سيل كلماتها الفتاكة وتهكمها اللاذع ، الذي يجعل السامع ينفجر ضحكا وسخرية ، فكرتُ مرات عديدة أن أعاملها بالمثل وأجعلها أضحوكة فهي كثيرة العيوب ، أنفها الكبير المفلطح وعينيها الصغيرتين ،اللتين تعبران عن نفسها الضيقة، ومقتها لمن يشاركها المجلس أو العمل ، فتصب جام نقمتها على أم رؤؤسهم ، لأنها لم تتمتع بحسن الخلق وروعة الخلال ، ولم توهب جمال الشكل أيضا ، حين تجدني متوترة، بعد أن صبت علي سهامها الفتاكة ، تنهالُ علي بسيل جارف من النعوت:
– أيتها الصماء ، الكسيحة ،المأفونة ، لا تنظري إلي هذه النظرة المستنكرة
ترغب أن يسكت الناس وهي توزع عليهم اتهاماتها المتكررة ، وتسدل عليهم صفاتها القبيحة ، تجعل المستمعين بغصون بضحك متواصل لئيم ..
لم أكن صماء ، وان بدا سمعي ثقيلا ، ليس لعيب ثابت في أذني ، بل أنني حين أفكر بصياغة الجواب الشافي، للدفاع عن نفسي امام تدفق جنونها المتفاقم ،تصيبني ا كلماتها الشامتة بمقتل ، وتسد علي منافذ الخروج من ورطات ثقيلة ، وتدخلني في موضع هزء من الآخرين ،فتفوت عليّ بعض كلمات التهكم ، ولم أكن كسيحة أبدا ، بل نشأتُ وأنا أمشي وأتحدث على استحياء ، وكانت نظراتي مركزة على الأرض ، وحين بالغت من محاولاتها لجعل السامعين يضحكون من فشلي بالدفاع عن نفسي ، وجدت انه من الأنسب لي ان أسير وأنا مرفوعة الهامة واثقة من النفس ، فتغير شكلي القديم الى جديد جميل..
كيف أصبحت هذه المخلوقة، ذات اللسان السليط تبدو بهذا الوضع المثير للشفقة ؟ ما كنت قادرة على أن أحلم بأن خصمي اللدود سوف يفقده الزمن ، أقسى أنواع الأسلحة التي كان يحرص على توجيهها ضدي ،ما زالت نظراتها تدعوني إلى نسيان ما سببته لي من وجع ومذلة ، وان أمسح ما علق بقلبي من سوء خلقها ، ومن قسوة سُم زعاف سقتني إياه عنوة ،لقد تعرضت لحادث سير جعلها تفقدُ القدرة على السير والوقوف ، أراها راقدة في سريرها ، وقد ربطت أجزاء عديدة من جسدها ، وبدت عليها علامات الإعياء والتعب ، قالت الممرضة:
– ذكرت اسمكِ ، فوجدنا من الضروري أن نتصل بك..
– وأقرباؤها الكثيرون ؟والأصدقاء؟
– سلاطة لسانها لم تترك لها صاحبا0
فرصة طالما انتظرتها ، وها هي سانحة أمامي ، يمكنني الآن ألا استجيب لما ترجوه ، وأن أتجاهل عامدة ما ترجوني عيناها ، وان انسحب من المستشفى بعد أن أذيقها نصال الكلمات كما كنتُ آمل ، ورغم ان الغرفة لم تكن تحتوي الا على سرير واحد ، فان فكرة الثأر مرت بخاطري لحظة من الزمان ، استفقت بعدها على ضرورة العناية بالمرأة الممدة على سرير العناية المركزة وقد فقدت الصديق والرفيق ، فليس من طبيعتي الشماتة بمن أصابته حوادث الطرق ، و عرضته الأيام لجراح الروح والجسد ، سألبي النداء وأدخل السرور الى قلبي المفعم بالمحبة والى قلبها السائر الى الشفاء
فان الأقوى من يقدرُ على السماح
صبيحة شبر