د. علي عبدالحمزه
قرأنا في جميع مراحل دراستنا وفي منهج التأريخ بأن الأحتلال ، أي إحتلال هو قيام قوة عسكرية من بلد معين ذي قوة بأستلاب مقدرات وموارد وثروات بلد آخر صغير فيكون بذلك الأول قوة إحتلال والثاني بلد مُحْتَل. وفهمنا من ذلك بأن الأحتلال يكون على الأعم الأغلب بالقوة العسكرية بالدرجة الأولى ثم بالقوة الأقتصادية ، ويسبق كل أنواع الأحتلال تمهيداً أو تقديماً وترويجاً إعلامياً لهذا النوع أو ذلك النوع من الأحتلال ، فالأحتلال العسكري يسبقه عادة ترويجاً إعلامياً ممهداً للخطوة اللاحقة يتمثل بألقاء المنشورات (قديماً) وغسل الأدمغة بتوجيه الأذاعات الموجهة ، وفي
الوقت الحالي عملت التقنيات الحاسوبية وشبكة المعلومات دوراً كبيراً في التقديم لكل نواع الأحتلالات ، ذلك إن هذا النوع من الأحتلال لايكلف إلا تياراً كهربائياً مستمراً وشبكة معلومات جيدة التواصل ودراية بأستخدام الحاسوب تكفي نقرة إصبع على كيبورد الحاسوب بالدخول إلى هذه الشبكة والأتصال والتواصل مع أي فرد أو مجموعة على إمتداد الكرة الأرضية. فكلنا قرأنا بأن الأحتلال الأنكليزي للعراق عام 1914ترافق وبشكل مستمر مع تصريحات قائد الجيش الأنكليزي الجنرال مود من إننا أي الأنكليز جئنا محررين لافاتحين تمهيداً لأن يكون الناس على دراية بهدف وإسلوب المحتل
القادم ، وعلى هذا المنوال تترا!فق صور التمهيد والتقديم لما سوف يحدث ويتم لاحقاً عملاً بالمبدأ الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة). ولأجل إتمام هذه العملية يُصار إلى إتباع سياسة تعمل على تطبيق ناتقدم من تمهيد بأن يُصار إلى أن تكون تبعية البلد المحتل (الواقع تحت الأحتلال) بشكل كامل سياسياً وإقتصادياً وثقافياً للبلد الذي قام بالأحتلال ، فنقرأ في هذا الصدد سياسة الفرنسة التي إتبعتها فرنسا في إحتلالها للجزائر،وسياسة التتريك التي إتبعتها الدولة العثمانية في إحتلالها لثغور العرب والتي عانت منها ماعانت من نتائج سلبية ظلت ماثلة للعيان إلى الوقت الراهن،كل هذا كان في الزمن الغابر ولكننا نرى الحال يُعاد ولكن بصورة أخرى هذه الأيام في المنطقة العربية والتي تشهد بعض ثغورها مايسمى بالربيع العربي أو ربيع الثورات العربية إذ نلاحظ وبوضوح شديد دور تركيا البارز في دعم هذا الربيع بكل الأشكال والذي يُتَوج في كل مرة بزيارة سلطان الدولة العثمانية الجديدة رجب طيب أردوغان إلى مكان الثورة لشم نسيم ربيعها المُفترض ، فقد زار السلطان ليبيا ومصر أثناء غليان الأحداث فيهما ، زيارات كان الهدف المُعلن عنها أنه يدعم الحرية في العالم ويدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولكن الهدف المخفي فيها هو إيصال رسالة إلى الشعوب (الثائرة) مفادها تقديم الدعم للخط الأسلامي الذي يمثله السلطان
الجديد أردوغان لفرسان (الثورات) العربية التي تجلت نتائجها في تبوأ الراشد الغنوشي الأسلامي العتيق المعتدل أيام ما كان في بريطانيا ،رئاسة وزراء تونس بعد الثورة ليصبح الأسلامي المتشدد الصارم والذي تجلت بعض أهدافه في التصرفات والأعمال التي قام بها رجاله في العمل بأجراءات بدائية تحرم السفور وتحاسب من لم يلتزم بالحجاب والشريعة وتحت قانون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي ليبيا نشهد تكرر المشهد إذ قدم الكثير من الثوار أنفسهم وعرف بهويته وإنتمائه الفكري لمن هو محسوب وبشدة على التيارات الأسلامية المتشددة ، ولاداعي للأطالة في هذا الموضوع . وفي مصر التي تنتظر إعلان نتائج إنتخاباتها النيابية التي تشير التوقعات الأولية عنها إلى تصدر الأخوان المسلمين والسلفيين وتفوقهم على إمتداد أرض مصر. ولنلاحظ إن التقديم والتمهيد لوصول الأسلاميين إلى دست الحكم في بلدان الربيع العربي كان قد خُطط له حسب رأيي من قِبل من لهم أمرٌ يعنيهم كل حسب مصلحته ، ففي الجانب التركي نلاحظ بأن الأعلام التركي قام بالترويج لمجتمع الأسلام المعتدل المنفتح أو الصورة العلمانية للمجتمعات بأن يكون الدين أمرٌ ثانوي لايُهتم به أو الأخذ به.. الأعلام الذي يُظهر وجود المسجد والجامع بشكل طبيعي مع وجود المجرم والعصابات والمخدرات
والفواحش دون أن يكون له دور او رادع .. الأعلام الذي يُعطي صورة من مجتمع إسلامي كان في الماضي القريب يمثل حكم الخلافة الأسلامية، فيه حرية المرأة على شكل كامل الأنفتاح إذ لا أب ولا عائلة يمكن لهما ردع تصرفاتها ولا إرتباط أخلاقي عائلي يوقف إنجرافها وإنفتاحها المؤدي إلى الهاوية .. فأي قيم تربوية تلك التي يُراد إيصالها في المسلسلات والبرامج التلفزيونية التركية وهي توصل لنا حكاية خيانة إبن الأخ لعمه الذي إتخذه ولداً ولكنه آثر إلا أن يُراود زوجة عمه التي هي بمثابة أمه لينجرف معها إلى حبائل الرذيلة والفاحشة .. وأي قيم تربوية تلك التي يريد إيصالها إلينا السلطان أردوغان بثقافته المصدرة
إلينا والتي تُظهر ذهاب المجرم بعد عدة عمليات قتل إلى الجامع الخالي من العباد ليجلس بمفرده يناجي ربه ويستغفره . برأيي إن كل هذا ما هو إلا تمهيد للقبول بصورة الحكم الأسلامي (المعتدل) التي تعيشها الدولة العثمانية الجديدة بقيادة السلطان أردوغان الذي أوصل رسالته وبكل وضوح إلى بلدان (الربيع) العربي والتي فُهِمت منذ أن تلاسن السلطان مع رئيس (إسرائيل)شمعون بيريز في مؤتمر دافوس والتي أظهره الأعلام إبانها بأنه البطل التركي الجديد وربما البطل الأسلامي الذي يدافع عن حقوق العرب المسلمين بشدة … السؤال هنا .. أين كانت شيمة وغيرة السلطان الجديد عند نشوب حرب
الجنوب اللبناني عام 2006 ولما!ذا ليرسل مساعداته وبواخره لمعونة الفلسطينيين واللبنانيين ؟! لا أدري ولا أفهم لماذا لم يرسل معوناته وعونه للعراقيين وهم يعانون أشد أنواع العذاب يوم كانوا تحت سوط الجلاد ويوم صاروا تحت سياط المحتل الأجنبي ؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين ؟ ولماذا هذا الضحك على الذقون وكأن العرب لا يفهمون مغزى هذا التحرك وهذا القلب المحروق على شعب سوريا والتدخل الفضيع في الشوؤن الداخلية والعمل على وضع العراقيل أمام حل سلمي للأزمة السورية والأصرار على التصعيد المستمر ضد الوضع السوري والذي تمثل أخيراً في قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وحصارها إقتصادياً بفرض العقوبات
الأقتصادية التي بدأتها الجامعة العربية بمبادرة ومباركة دويلة قطر التي ظهرت إلى تصدر الساحة العربية هي وتركيا فجأةً ليكون لهما الدور الكبير والخطير الذي ربما لن يُفهم إلا بعد حين بالنسبة للتدخل التركي اذي يحلم بأن يعيد مجد الدولة العثمانية البالية ويعيد مجد سلاطينها الطغاة الذين أذاقوا العرب الذل والمهانة والحرمان والنظرة الدونية وأن يعود السلطان عبدالحميد بزي جديد غير الجبة والعمامة ، زي البدلة الأنيقة وربطة العنق والذقن المحلوق ليكون السلطان أردوغان الذي لا ولن يفكر أبداً في أن يجعل آل ثاني ولاة عهده على أمة العرب ذلك أه عماني النخاع والهوى فلا يميل إلى أبناء جل!دته
أما الآخرون فهم عربجه عليهم الأمتثال لأوامره والسير على هداه في الثورة على حكامهم بربيع مقتصر مجتزأ وإقامة إمارات إسلامية ترتبط بأستانة الدولة العثمانية الجديدة وبسلطانها الجديد السلطان أردوغان .