// السلطانة اسطنبول
“مقامات مقدادية”
السفر متعة وثقافة .. ومعرفة ولياقة ، تهدئة للاعصاب .. وخلاص من هرطقة الجدل والانتساب ، ونسيان من كان يودعك بالدمع .. وكأنك ذاهب الى متحف الشمع .. او الى جهنم وبئس المآب .. وهو نفسه يعيش درجة الغليان .. قبل وبعد شهر آب .
ما ان تغادر البلاد .. الى مدن الجمال والعباد ، تشعر بقيمة المكان والزمان .. بين العيش في بغداد ، او في باريس و اسطنبول وبيروت .. وبين ان تختار جنة الله على الارض ، في الشارع والبيوت .
هنا اسطنبول .. تجد نفسك وسط بيئة بصرية رائعة ، و واقع حضري منعش ومدهش ، كأنك وسط بستان .. فيه الماء والخضراء والوجه الحسن .. في المكان والزمان .
على ارض تركيا .. كل شيء جميل ، والاجمل ان تجد اهلها يحبونها ويقدسونها .. دولة حباها الله في المناخ واالعمران والانسان ، كأنها. قارة صغيرة .. ثلث يابس ، والماء ثلثان .. تمتد على ارضها ، ثلاثة ابحر ، ومضيقان وخلجان .. وجبال وتلال وهضاب وسهول ، وبحيرات حسان .
المطر ينزل على امتداد الفصول الاربعة .. وان تاخر عليهم بضعة ايام ، فالقوم لا ينتظرون مكرمة صلاة الاستسقاء .. ولا يلجأون لحيلة من حيل الاسترخاء .
وفي وطني .. الشتاء مسجور .. والمطر منذور .. وان صلينا صلاة الاستسقاء .. تأتينا السيول على استحياء ، وعلى المدار ، و دون سابق انذار .. فتقض مضاجعنا .. وتجرف بيوتنا ومراعينا ومزارعنا .. وحتى نساءنا .
في شوارع الاتراك.. لا سيارة اجرة ، من غير عداد .. ولا من سائق ، يجادلك بألسنة حداد , وكأنه عنتر بن شداد .. لايحق للسائق ، فتح المذياع ، ليذكرك بمأساة من استشهد ، ولجأ و تغرب ، وضاع .
الحياة حرة كريمة ، لا تلاحظ مظاهر الفقر والغبار .. برغم وجود حكومة يقودها حزب اسلامي بأختيار .. وصوت المؤذنين ، يصدح بلسان عربي مبين .. في الليل واطراف النهار .
لكل فرد ما يؤمن به ، وما يشتهيه .. المساجد مفتوحة ، والملاهي مفتوحة .. والمرأة تسهر حتى الصباح في البارات والحانات .. وإياك إياك ان تستفزها ، او تتحارش بها .. وتلتقط صورة لها ، دون علمها ، فالعاقبة للمتحرشين ، والشرطة للمجانين .
المرأة التركية قوية صلبة .. تجدها في كل مكان بهيبة وافتخار .. ولها حضورها المدهش في الجيش والشرطة ، وفي دوائر الاقامة والمطار .
المظاهرات .. كثيرا ما تخرج .. معارضة او مؤيدة ، من غير حواجز ولا صبات .. ولاغلق للجسور ، ولازحام في الشوارع والساحات ، ولا وجود طويل للأعتصامات .
في بلاد الاناضول .. لا تجد الحاكم بجانب المحكوم كما في المدن الاوربية ، ربما بسبب المعارضة الكوردية ، والجماعات الارهابية .. لهذا لا يمشون في الشوارع فرادا ، ولا يدخلون الاسواق اندادا .
في المدن الاوربية .. يركب المسؤولون الحافلات والمترو ، من دون حمايات ، ولا دراجات نارية .. ولا مسلحلين ولا ابواق .. ولا ترى اثرا لسيارات الزعيق ، التي تسير مسرعة بلا نظام ولا انتظام .. مظللة بلا ارقام ، ينطلقون بسرعة جنونية بشارع مزحوم وخطير .. كما هو الحال في بلداننا التي ترتفع فيه الجداريات .. وشعارات معارك المصير .
في شوارع اسطنبول .. لا وجود لشرطي المرور .. فالجميع يحترم الاشارة ، ويمتثل لشروط السلامة ، وان خالف سائق ، فالكاميرات ترصد ، والقانون يرفد .
اما قصة القمامة .. فهي تدفن تحت الارض في صناديق حديدية باستطالاتها .. ثم تأتي رافعات لنقلها الى اماكن تدويرها .. فتحولها الى طاقة نفعية ، بعيدا عن روائحها النتنة السلبية .
عامل النظافة .. رجل ظريف وعفيف .. لا يتذمر من عمله ، لا يلتقط من اكوام النفايات بقايا طعام .. ولا من زجاجات الخمر وصور الافلام .. ينادونه باجمل الالقاب ، يحترمونه ، ويمنحونه اجورا عالية كافية .. من غير منة ولا عتاب .
في مدن الرخاء .. .. لاترى اثرا للمولدات الاهلية.. الا في بعض المستشفيات الرسمية .. ولا حزم متراخية من الاسلاك ، معلقة ومتشابكة ، وكانها شبكة عنكبوتية .. تذكرنا ببنود ومواد دساتير حكوماتنا السنية .
في تركيا .. يمكنك ان تشتري بيتا اوشقة .. وكن مطمئنا .. فدوائر الطابو عندهم محروسة مأمونة .. تجري فيها المعاملات بحرص وتقدير و بلا تكدير .. لا وجود للميلشيات ، ولا الاعيب للتزوير .
وتنتهي رحلتك يا صاحبي .. وانت محلق بين السماء والارض .. وفي الذهن ملحمة ( التيار والإطار ) وتهبط في مطارك الذي يلفه الغبار .. وتنزل متوجسا مرتبكا .. فيستقبلك موظف الجوازات ، مبحلقا بوجهك ، حاسدا سفرك ومتعتك ، ينظر اليك نظرة المرتاب ، و معها ، تطلع سفرتك “زقنبوت ” بلا طعم ولا ثواب .
تصل بيتك فتجد جارك ، وقد استغل غيابك فوضع نفاياته على عتبة بابك ، واياك والعتاب ..فتنالك “دگة ” العشاير بقيادة شيخها الوثاب الوهاب ” وشفايتيلنا ” لو باقين على دگة محبوب المطربة العراقية صديقة الملاية .. وهي تصدح بصوتها البغدادي / ..
يا دگة المحبوب .. دگة خزعلية .
د. كاظم المقدادي