حامد الحمداني
على الرغم من المعانات الشديدة التي كابدها الشعب المصري في حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك، والتي امتدت زهاء 30 عاماً، وأوصلت الشعب المصري إلى حالة من البؤس والفاقة، والبطالة الواسعة، وخاصة بين العمال، والخريجين من المعاهد والجامعات والدراسات العليا، وانتشار وتفاقم أزمة السكن وتصاعد مستوى التلوث، وخاصة مياه الشرب، وانتشار الإمراض الفتاكة وفي مقدمتها الفشل الكلوي، والتهاب الكبد الفيروسي، وأمراض السكري والبلهارزيا، وغير من الأمراض المزمنة، فقد كان الشعب المصري ينتابه الشعور بفقدان الأمل من أي إصلاح، ومعالجة لتلك الأوضاع السائدة، بالنظر لأساليب الحكم القاسية التي اتبعها النظام والمعتمدة على قوة الأجهزة الأمنية، وقانون الطوارئ السيئ الصيت، والمحاكمة العسكرية والسجون والمعتقلات، والتصفيات الجسدية للمعارضين لنظام مبارك القمعي، فلم يكن أحداً يتوقع قبل 25 يناير أن ينفجر بركان الثورة على حين غرة، ويهز أركان النظام الذي ظن مبارك وأركان حزبه من أصحاب الثروة الذين بات بيدهم السلطة والثروة والقوة القمعية معا، إن لا أحداً يستطيع مجرد التفكير في التصدي لهذا النظام القمعي.
وهكذا وعلى حين غرة اندفع شباب الشعب المصري، غير هياب بالشهادة وقد صمم على إسقاط النظام الذي كان يوشك على توريث جمال مبارك الرئاسة، فكانت ثورة دامية قدم خلالها الشباب المصري آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين، لكنهم بصمودهم استطاعوا إسقاط حكم مبارك ووريثه المنتظر ولده جمال مبارك.
لكن المؤسف أن تلك الثورة الشجاعة كانت تفتقد القيادة القادرة على التنظيم والتخطيط، ووضع برنامج وطني تتفق عليه سائر القوى المساهمة في الثورة، وتعبئة الشباب، والسعي لزج أوسع الجماهير العمالية والفلاحية للمحافظة على زخم الثورة، وعدم ترك المجال أمام قوى الردة للقيام بالهجوم المعاكس لإجهاض الثورة. .
ورغم أن الأخوان المسلمون والسلفيون لم يشتركوا في بداية الثورة، لكنهم قرروا بعد أن وجدوا تصاعد المد الثوري، والتهديد الجدي لنظام مبارك، المشاركة في الثورة، واستطاعوا وهم الحزب المنظم الذي امتد به العمر عشرات السنين، أن يهيمنوا على الثورة، ويحققوا مكاسب كبيرة في البرلمان الذي جرى انتخابه بعد نجاح الثوار في إسقاط حكم مبارك.
وبدلاً من توحيد قوى الثورة، وإقامة جبهة عريضة تظم القوى المشاركة فيها، واتخاذ برنامج وطني متفق عليه لتعزيز زخم الثورة، ومواصلة تصفيه النظام السابق، والإعداد لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمعالجة الجذرية لكل آفات النظام السابق، فإن الأخوان المسلمين، وقد أخذهم الغرور بما حققوه من مكاسب في الانتخابات البرلمانية التي جرت بموجب قانون الانتخاب الذي أسقطته المحكمة الدستورية أخيراً، حيث استأثروا بحصة الترشيح الفردي، وبدأوا بتوجيه سهامهم لشباب الثورة متهمين إياهم بالبلطجية، وغيرها من الاتهامات الأخرى بغية الاستئثار بالثورة، وبالتالي بالسلطة المطلقة في البلاد، حيث سيطروا على البرلمان، وباتت الحكومة في متناول أيديهم، كما استأثروا بأغلبية أعضاء المجلس التأسيسي لوضع الدستور الجديد للبلاد، كما نكثوا بوعودهم بأنهم لن يرشحوا أحداً من قبلهم لرئاسة الجمهورية، وكانوا قد نكثوا بوعودهم قبل الانتخابات التشريعية بأنهم لن يرشحوا لأكثر من ثلث أعضاء البرلمان، وهكذا بات الأخوان المسلمون يحلمون بالهيمنة المطلقة على السلطة في البلاد عبر هيمنتهم على البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزارة، والاستئثار بوضع الدستور الجديد، مما أثار الريبة والشكوك لدى الشعب المصري، وقوى الثورة من المصير المنتظر تحت حكم الأخوان المسلمين
وجاء قرار المحكمة الدستورية بإبطال انتخاب ثلث أعضاء البرلمان، ورفض قانون العزل السياسي الذي أصدره البرلمان، واستمرار المرشح الفريق أحمد شفيق في خوض المرحلة الثانية لرئاسة الجمهورية بعد يومين، ضربة قاسية لأحلام الأخوان في الهيمنة على مقدرات البلاد، والتهديد الجدي لفوز أحمد شفيق بمنصب رئاسة الجمهورية، وما ستؤول إليه مصير الثورة التي ضحى الشعب من أجلها، ودفع ثمناً غالياً من دماء الشباب.
أن مصر اليوم أمام خطر تصفية الثورة إذا ما فاز الفريق أحمد شفيق بمنصب الرئاسة، ولم يبقَ أمام الإخوان إلا طريقاً واحداً لإنقاذ الثورة والوطن، وذلك بانسحاب مرشحهم السيد محمد مرسي لصالح المرشح الثالث حمدين صباحي، وتعبئة كل القوى الثورية وراءه لينافس الفريق احمد شفيق المحسوب على النظام السابق، بعد الاتفاق على البرنامج الوطني لمستقبل مصر وشعبها.
لم يبق سوى يومين لتقرير مصير الثورة، فهل يضحي الأخوان بمنصب رئاسة الجمهورية لصالح حمدين صباحي من أجل مصلحة الشعب والوطن، وتحقيق الانتصار الكامل للثورة؟
وهل يفعلها الأخوان المسلمون لإنقاذ الثورة؟
إننا لمنتظرين