( الرمـــز والابـهـــــــا م في القصيــــــــــــدة المعاصرة )
.
بقـلــــم د . فــا لـح الكيـــــــــــــــلانــــي
.
القســـــم الاول
.
مما .لاشك في ان القصيدة المعاصرة هي ( النص الشعري الحديث للقصيدة العربية او وجهها الجديد الذي يحمل رؤية رومانسية رمزية في الاغلب ) وقد ظهرت للوجود في الشعر العربي الحديث او المعاصر على ايدي شعراء امتازوا بالتجديد من امثال نازك الملائكة والسياب وصلاح عبد الصبور وان تقدمهم قليلا امين الريحاني في (قصائده النثرية) فهم اول شعراء هذا النوع من الشعر والذي يعتبر بذاته طفرة نوعية معاصرة او جديدة او تعتبر بداية قيام نوع من الشعر جديد .
.
ولو راجعنا الشعرالعربي قديما وحديثا لراينا ان هذا التجديد قد بدء منذ القدم ايام الشعرالجاهلي ثم ايام الدولة العباسية لكنه لم يخرج عن قاعدة الشعر العربية وعموديته في القصيدة – الوزن والقافية – وذلك بقول الشعراء – او استحداثهم للمربع والمخمس والمسمط او ايجاد الموشح- في بلاد الاندلس ثم هجرة الموشح الى شرق البلاد العربية فانتشر كثيرا باعتبار تغييرالزمن ونفسية الشاعر والمتلقي وحاجتهما الى التطور او بالاحرى مالت النفس التواقة الى الغناء والرفاهية والخفة في الطبع على اعتبار ان الشعر هندسة أصوات يدخل بها الشاعر في نفوس الآخرين والتي قد تشبه عالمه الداخلي او لواعج نفسه الانسانية، بغية تحفيز الطاقة الشعورية لديه ودفعها إلى ممارسة عملية التزاوج الاجتماعي والواقع النفسي السياسي، وبانحسار استعمال الأشكال الشعرية العربية القديمة ، وتزايد استخدام الأشكال والإيقاعات والصور المقتبسة من الشعر الأوروبي، خاصة الشعر الحر،
راجع كتابي ( ملامح التجديد في الشعرالعربي ) طبع دار دجلة عمان – الاردن
وقد تحولت هذه الحالة إلى تيار رمزي جارف يقوم على اعتبار الشعر كتابة إبداعية مادتها اللغة، وهذه الكتابة هي عمل ابداعي نابع من اللغة حيث يخلق منها كيانا ذاتيا يختلف عن لغة التعامل اليومي اوعن لغة المنطق الظاهري، يتفاعل معه الفكر الشعوري بالتداعي الحر مشتركا بتيار الأحلام النفسية المنبثقة من نفسية الشاعر ذاته ويهدف إلى ايجاد معان جمالية مبتكرة لها قابلية تغيير الاحوال نحو الافضل في التعامل مع الموروث التاريخي واللغة المقال فيها هذا الشعر وهذان قد ينزعان في ادراكهما للموضوعات والفهم الشعوري ، من أجل فهم أشمل وأعمق ، و تحرير الطاقات الكامنة لدى الشاعر تحريرا شاملا يدخل من خلالها الى الطاقات الشعرية الذاتية اوالنفسية والبواعث الانسانية الاجتماعية. تقول نازك الملائكة في قصيدتها – من انا ؟ –
الليلُ يسألُ مَن أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون ؟
الريحُ تسألُ مَنْ أنا
أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ
إن المتعة الجمالية هي الوسيلة الشعرية في الوصول إلى الغاية، فالجمال وسيلة الشعر إلى غاية الجمال (فهو إحدى وسائل غرس الجمال في الوجود كذلك فإن من وسائل غرس الجمال الكبرى الصورة الشعرية).
.
ا ن قصيدة النثر قد لا تخلو من الإيقاع او موسيقى الشعر التي وجدت في الشعرالعربي كأوزان وقوافي مستلهمة من بحورعمود الشعر التي اوجدها الخليل الفراهيدي البصري الا انه انحصر عند بعض الشعراء والنقاد والمتلقين في الوزن دون غيره، وربما تعداه الى غيره عند اخرين فشمل كافة الظواهر الصوتية الأخرى .
.
ومن المعلوم أن الإيقاع ركن من أركان الشعر وقد اتسع عند آخرين ليضم إليه كل الظواهر المسموعة، وظواهر أخرى ملموسة، أي أنواع الحركة الداخلية النفسية غير المسموعة المتعلقة بالصراعات بين الأفكار .
.
ان الوزن سمة قاهرة من سمات الشعر، ولئن لم يركز الرومانسيون والرمزيون على البعد الإيقاعي الصوتي بصورة خاصة، فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثة يتفقون ان العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصر الاظهر من مكونات الشعر، فالنص الشعري حقيقة هو نوع من الأوزان تتولد من قاعدة اتحاد وانسجام بين مختلف مستوياته وخاصة بين حروف اللغة وابراز ذات الصوت المتشكل من الحرف اللغوي اتصاله باخر وفقا لامكانية الشاعر ومقدرته على الاتيان بالافضل ويشكل العروض الجانب الأبرز في الشعرية، الا ان القصيدة المعاصرة واقصد قصيدة الشعر الحر التزمت عن بعد بحور الشعر الصافية مع ايغالها المفرط في الزحافات عند اغلب شعرائها او قصيدة النثر الرافضة لكل المفاهيم الشعرية القديمة والثائرة على كل الاوضاع الموروثة سائرة في خط الحاضر اوالمستقبل .
.
والشعر على العموم بجماليته وقوته وطموحه وأحلامه، يبقى بماهيته شكلا ومضمونا ومنابعه الصافية محيراً للعقول ويظل جمال ماهيته شيئاً مثيراً جاذباً للنفوس وعواطفها معبرا عن خوالجها بحيث يكتسب جماليته من وظيفته الإيحائية الغامضة فنياً . صائغا ماهيته من انبثاق عالم مكبوت في داخل هذا الشاعر الثائر وعلى هذا انبثقت جمالية هذا الفن من روحية عالية ونفسية شاعرة ملهمة .
ويقول الشاعرالفلسطيني عبد الكريم الكرمي :
يَا فِلَسْطِينُ ٱنْظُرِي شَعْبَكِ فِي أَرْوَعِ مَنْظَرْ
بِلَظَى الثَّوْرَةِ وَٱلتَشْرِيدِ لِلْعَالَـمِ يَثْأَرْ
لَمْ يُحَرَّرْ وَطَنٌ إِلاَّ إِذَا الشَّعْـبُ تَحَرَّرْ
* * *
كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ دَارٌ وَأَحْـلاَمٌ وَمِزْهَـرْ
وَأَنَا الحَامِـلُ تَارِيـخَ بِـلاَدِي أَتَعَثَّرْ
وَعَلَى كُلِّ طَرِيقٍ لَمْ أَزَلْ أَشْعَثَ أَغْبَر
.
فمقدرة الشاعر وثقافته اللغوية وخياله الواسع كلها امور في غاية الاهمية في نتاج القصيدة مهما كان نوعها وشكليتها كلنما كانت بعيدة عن الغلو في الابهام والتعقيد كانت قريبة من المتلقي وتدخل الى نفسه وتساب في روحه بيسر ويسهل تفاعله معها وهي غاية يروم كل شاعر تحقيقها او الظفر بها .
. لاحظ كتابي ( الشعرالعربي بين الحداثة والمعاصرة )
امير البيــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
الـعراق – ديالى – بلــــــــــــد روز
**************************************************