محمد قاسم الصالحي/ كاليفورنيا
لم تكن حالة التوافق السياسي التي عايشها التحالف الوطني العراقي أبان تشكيل حكومة المالكي الثانية سوى حالة من التوافق الإضطراري التي رأى فيها البعض جرعة سياسية لابد
منها لإنقاذ العملية السياسية طور التكوين، ألا أن الفائض من تلك الجرعة قد أنتج في الوقت نفسه حالة من ضبابية الرؤية والجنوح نحو الفردية في الرأي من قبل المستفيد منها، تمثل في الفجوة الآخذة بالإتساع بينه وبين النُخب السياسية التي أسهمت في تأهيله لرئاسة الحكومة.
لقد إقتضت حكمة القيادة الصدرية في حينه تطويع التجاذبات السياسية لمصلحة مرشح التحالف الوطني والتسريع في حسم الموقف لضمان الإنتقال السلس نحو الديمقراطية ومنح حكومة المالكي ومن وراءها (دولة القانون) فرصة لترجمة برنامجها الانتخابي والحكومي الى سياسات فاعلة على الأرض، ألا أن واقع الحال اليوم، وكما لايخفى على ناخبٍِ أو شريك سياسي، ينبئ بأن البرامج التي إنتزعت على أساسها الحكومة ثقة الشركاء لم تكن سوى خطابا تحفيزياً يستهدف في المقام الأول الظفر في حكومة ثانية ومن ثم التدشين القسري لولاية ثالثة في مقام ثان. وفي إطار هذا السعي إرتبطت تجاوزات الحكومة على الوعود والمواثيق بإختلاف واضح وجذري في المنطلقات السياسية بين الفريق الحكومي الحاكم وشركاء العملية السياسية وبما يعمّق إشكاليات بناء الدولة العراقية، لذلك جاء الرد واضحا من قبل السيد مقتدى الصدر في رسالته الأخيرة للشعب العراقي التي ألقى فيها الضوء على أبعاد تحركاته الأخيرة الهادفة ابتداءً الى إرساء نهج وطني قائم على إحترام وإشراك كافة القوى السياسية لإدامة حالة التوافق العام في مسار التحول الديمقراطي المنشود.
كما ربطت النقاط الخمس في الرسالة الأخيرة للسيد الصدر بين الحفاظ على وحدة العراق، أرضا وشعبا، والحيلولة دون عودة الدكتاتورية في العراق في تأكيد سماحته على “أن أرض العراق واحدة أيا كانت من محافظاته”، و “أن لادكتاتور سيحكم العراق أي كان”. إدراكاً منه بأن النزوع نحو الدكتاتورية من قبل أطراف أساسية في الفريق الحكومي الحالي والتهديد المحتمل لبروزها من جديد يشكّل هاجسا وتهديداً شديد الوطأة خيّم على المنظومة السياسية ليمتد الى الإجتماعية أيضا، وبما يجعل منه تحدّيا جديدا أمام الواقع الأمني والخدمي على حدٍّ سواء وعلى التنمية في العراق بشكل عام.
وتحاشيا للأزمات الفكرية المصاحبة للنظام السياسي في العراق، والناتجة عن إزدواجية الخطاب الذي إتسم به أداء بعض القوى السياسية سواءً قوى الإسلام السياسي أم القوى الوطنية الأخرى، وتجاوزا للتخندق والإنقسام أكّد سماحته على وحدة الصف الوطني بالقول.. ” ندائي أن تتوحدوا يا قادة العراق تحت راية العراق لا تحت رايات أحزابكم وفئاتكم، تحت راية السلام، إن رغبتم عن راية الإسلام .. وتعالوا نبني عراقًا يزدهر به الشعب وتكون الحكومة في خدمة المظلوم ولا يكون المظلوم في خدمة الظالم”.. ليؤكد سماحته على ضرورة الحفاظ على حالة من التوافق كسبيل لتكامل الجهد الوطني المتحرك ضمن الإطار الدستوري والهادف لتحقيق العدالة الإجتماعية، وليطمئن في ذات الوقت الأغلبية والأقليات في العراق، من خلال التأكيد على رفضه لدكتاتورية الأغلبية بذات المستوى الذي يرفض فيه وصاية أقلية ما على من سواها في العراق الجديد.