علاء اللامي
ثمة فرق كبير بين من يقوم بدور الحَكَم في مباراة لكرة القدم، فيكتفي بتسجيل الأخطاء والركنيات وضربات الجزاء، ثم يعلن اسم الفريق الفائز ويذهب ليقبض ثمن أتعابه ويخرج من المشهد، وبين من يقوم بتحليل الوقائع بدقة ليفهم مغزاها ويربطها بسياقها الحقيقي ليخرج بالاستنتاجات الضرورية لخدمة استراتيجيته دفاعا عن وطنه وشعبه!
وبصدد الوضع العراقي وآخر تطوراته، فإن أول انحياز أو خلل في مهمة صاحبنا “الحكم” هو إنه يسقط واقعة الاحتلال الأميركي للعراق والكوارث الناتجة عنه في مقدمتها إقامته لحكم المحاصصة الطائفية الرجعي ودستوره الملغوم، ويغض النظر عن الوجود العسكر الأجنبي والأميركي تحديدا والذي توضح أخيرا إنه وجود مفروض واحتلال صريح حين رفض ترامب طلب أعلى سلطة تشريعية في البلاد وهدد بفرض عقوبات على البلاد، مثلما يغض خصومه في الجانب المقابل النظر عن خروقات إيران وحمايتها لنظام الحكم في العراق وموقفها المعادي المعلن للانتفاضة الشعبية العراقية ضد هذا النظام!
*والانحياز أو الخلل الثاني فيكمن في تباكي الحكم الكروي وجماعته على “نقص مشروعية البرلمان” حين طلب رحيل القوات الأجنبية، ولم يتكلم أحد عن هذا النقص في الشرعية حين صفق الكثيرون لقانون الانتخابات الفردية أو غيره من القوانين وحين خاطب المتباكون على “نقص المشروعية” برهم صالح ووصفوه “بحامي الدستور” وطلبوا منه اختيار اسم أحد المرشحين من وزراء أو نواب أو جنرالات النظام السابقين أو الحاليين لمنصب رئيس الوزراء لحكومة انتقالية مؤقتة.
*وقد تكرر هذا التباكي اليوم على السيادة العراقية التي خرقتها الصواريخ الإيرانية – وهو خرق حقيقي لا يمكن إنكاره – ولكن هذا المتباكي سكت تماما حين ارتكبت القوات الأميركية جريمة حرب باغتيالها لمسؤول عراقي كبير وضيوفه قرب مطار مدني وأعلن مسؤوليتها عن ذلك!
تأتي الضربة الإيرانية المحدودة والمدروسة اليوم – أما النظريات المخابراتية حول أن هذه الضربة كانت متفقا عليها بين الطرفين فلا يعتد بها في التحليل الرصين لعدم وجود أية حيثيات معلنة تؤكدها وتبقى في حدود التخمينات – لتؤكد التالي:
*إن العراق بلد بلا سيادة ولا استقلال منذ سنة الاحتلال 2003 وحتى الآن وإن جميع الدول الكبرى والإقليمية وفي مقدمتها أميركا وإيران تخرقه باستمرار وتتدخل في شؤونه بفظاظة ولابد لهذا الواقع أن ينتهي.
*إن الرد الإيراني المحدود وعلى الأرض العراقية لا يتجاوز حدود الرد المعنوي، وليس له أي إنجاز عسكري يذكر سوى انه أرغم ترامب على عدم الرد حتى الآن، وهذا إنجاز مهم وكبير استراتيجيا يؤكد إمكانية الدول حتى الصغيرة منها كإيران، والتي لا يمكن مقارنة قوتها العسكرية بقوة الإمبريالية الأميركية، في الرد العسكري على العدوان والجرائم التي ترتكبها أميركا والدول الغربية الأخرى على دول وشعوب العالم.
*أكد هذا الحدث غياب الدولة الحقيقية في العراق للمرة الألف وهذا يعني أن علينا أن نستعد للمزيد من الكوارث وخرق السيادة الناقصة أصلا والجرائم التي ترتكبها أميركا وغيرها على الأرض العراقية.
*أكد هذا الحدث ضرورة استمرار انتفاضة تشرين السلمية وحمايتها حتى تحقيق هدفها المركزي في إنهاء العملية السياسية الأميركية ونظام المحاصصة الطائفية الفاسد وإنهاء سيطرة أحزابه ومليشياته الفاسدة الملطخة بالدماء ومعها إنهاء الهيمنة الإيرانية الإيرانية وأطماعها الإمبراطورية في العراق.
*إن الانحياز إلى الطرف الأميركي سواء كان مباشرا أو غير مباشر بالسكوت على جرائمها أو ترويج شائعاتها وأكاذيبها لا يختلف عن الانحياز للطرف الإيراني سواء بسواء، وإن هذا الانحياز في حالة استمراره سيتحول إلى نوع من “العمالة الوظيفية” لأحد الطرفين، بما يعنيه من تحول من يقوم به بشكل ممنهج الى مرتزق لأحدهما شاء أو أبى، قَبِلَ أو انزعج من أوصاف الانحياز أو العمالة…إلخ.
*ملاحظة كتبت هذه الملاحظات قبل أن أطلع على ما نشر اليوم على الفيسبوك وتوتير من قبل الأصدقاء وغير الأصدقاء ما يعني أنني لا أقصد شخصا محددا أما إذا انطبق كلامي على ما نشره شخص أو جهة ما، فليلمْ نفسه ولا يلمني وليراجع حساباته وليناقش ما كتب هنا بهدوء وعقلانية. ِ