وفصول السنة الأخرى…!
قراءة سريعة في نواميس الطبيعة و سلوك البشر
إنه صباح يوم خريف، وكنت على التو قد أوصلت أطفالي إلى المدرسة، وها هي أوراق الأشجار العتيقة المتساقطة قد بدأت تملأ الشوارع والطرقات، لتترك الأغصان عارية في إستقبال مطر وجليد وولادة جديدة…
جالت في خاطري، وأنا في طريقي إلى العمل، فكرة الربط بين تساقط الأوراق وما يحدث
منذ بعض الوقت من ثورات وإنتفاضات في بعض من بلدان عالمنا العربي الذي يعيش منعطفاً تاريخياً في حياته بعد أن أضناه الضعف والتخلف والمرض…
لقد وصفوا هذا الذي يحدث في بلادنا بـ “الربيع العربي”، وراحو يبشروا بمستقبل تزهر فيه الحرية، وتعيش فيه كرامة الإنسان أبهى أوقاتها…
كم جميل أن نعيش أياماً حلمنا بها، وأزماناً تنفض الغبار عن وجناتنا، ونشم من طيب الرياحين ما إمتلأت به جنائنها…
فجأة… أفقت من غفلتي، وتذكرت أننا من أجل ذلك بحاجة إلى أرض وحب وماء وسماء مشرقة، وإلى عقول نيرة وقلوب محبة وسواعد قوية…
عدت إلى الطبيعة أحاكي فصولها في صيفها وخريفها وشتائها قبل ربيعها…وأتساءل: هل تستوجب ولادة الربيع حرارة الصيف وضباب الخريف ورطوبة الشتاء وأمطارها كي تزهو بشمسها الساطعة وأوراقها الطرية وأثمارها اليانعة…؟!
ثوراتنا وانتفاضاتنا جاءت صيفاً ساخناً وريحاً جافة عاتية فاقتلعت من الجذور أساطين حكم غائرة، وراحت تعلن عن تخلف هنا وظلم هناك لا يصلح معه إسداء نصح أو توجيه سائبة…
وبتنا نشهد تساقط أوراق أشجار حكمنا المتهاوية، رؤساء ووزراء، ومرجعيات وأنظمة… ورحنا ننادي بأعلى أصواتنا من أجل الحرية والكرامة واللافساد والتقدم…
تذكرت كيف يبدأ الزارعون في فصل الخريف حرث حقولهم بعد أن كانوا قد إختاروا الأرض وأنتقوا الحب وتوكلوا على الله في السحاب والمطر…
تذكرت كم هو ممطر فصل الشتاء وقارص برده من أجل ري الأرض وقتل المؤذي من الحشرات للنبات…
لم أعد أدري في أي فصل من فصول السنة نحن…؟ أفي الربيع، أم الخريف، أم في صيفه الساخن العاتي…؟
إن حلمنا الجميل بربيع عربي يتطلب منا زرعاً لحب مثمر في أرض طيبة، وسقياً من عرقنا لجذور يابسة، وعملاً دؤوباً صابراً لتهذيب جني حصادنا…
إن علينا أن ندرك أننا نعيش في زمان غير عصرنا بسبب سباتنا الطويل وقبائلياتنا المتناحرة…
لكننا يجب أن نبقى نحاول في عزم وتوكل وتفاؤل وتفان من أجل عيون أطفالنا البريئة الطاهرة…
نزار محمود
برلين، 20/10/2011