الراحل الدكتور علي الوردي في ميزان / الصين
عبد الرضا حمد جاسم
للراحل الوردي في ذكرى وفاته الرحمة والذكر الطيب
عن الصين كتب الراحل الدكتور علي الوردي له الذكر العطر والرحمة العبارة التالية في ص31 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي دار ومكتبة دجلة والفرات/الفصل الأول/ تحت العنوان الفرعي: اختلاف في الدرجة:
[الذي نريد ان نلفت نظر القارئ اليه هو ان المنطقة العربية تمتاز على غيرها بشدة هذا الصراع وتتابعه على مدى الأجيال لنأخذ مثلاً المنطقة الصحراوية الأسيوية التي أشرنا اليها آنفاً فهي في الواقع لم تخل من هذا الصراع في بعض الفترات من تاريخها. انها تتاخم من جهة الشرق حضارة الصين ومن جهة الغرب حضارة ما وراء النهر. وقد عانت هاتان الحضارتان كثيراً من موجات البدو الذين عُرِفوا في التاريخ بأسماء كالمغول والتتر والترك والقرغيز… ونستطيع أن نقول مثل هذا عن مناطق اخرى في العالم كإيران والهند وجنوب افريقيا. ففيها نجد بعض البقاع الصحراوية والى القرب منها نشأت حضارة قديمة أو حديثة. ولا بد لنا من أن نتوقع في مثل هذه الحالة حدوث شيء من الصراع بين البداوة والحضارة ولكننا يجب ان لا ننسى ان هذا الصراع ليس من النمط الذي شهدناه في المنطقة العربية…فكثيراً ما كانت الحضارة في تلك المناطق قادرة على استيعاب الموجات البدوية القادمة اليها وعلى إذابتها في وقت قصير نسبياً بحيث لا يبقى لها تأثير اجتماعي كبير. خذ الحضارة الصينية مثلاً فهي كانت من السعة والكثافة بحيث استطاعت ان تهضم الموجات المغولية القادمة اليها وتذيبها في البوتقة الصينية الكبرى. أدركت ذلك بجلاء عند زيارتي للصين عام 1958 حيث لم أجد في المجتمع الصيني أي أثر واضح للموجات البدوية التي اجتاحت الصين قديماً…] انتهى
تعليق: ما يثير الاستغراب هنا هو الجزء التالي: [خذ الحضارة الصينية مثلاً فهي كانت من السعة والكثافة بحيث استطاعت ان تهضم الموجات المغولية القادمة اليها وتذيبها في البوتقة الصينية الكبرى. أدركتُ ذلك بجلاء عند زيارتي للصين عام 1958 حيث لم أجد في المجتمع الصيني أي أثر واضح للموجات البدوية التي اجتاحت الصين قديماً. الخ] انتهى
المستغرب هو حُكم الدكتور الوردي على الوضع في الصين بهذا الشكل الذي يعكس عدم الدقة او السطحية في التعامل مع الامور والتسرع في “الاستنتاج” والطرح والجزم حيث يمكن لي ولغيري ان ينقل هذا الموقف او هذا التسرع على الكثير من استنتاجات الراحل الوردي وبالذات على موضوع شخصية الفرد العراقي او ما أطلقه على حالة المجتمع العراقي. فلو كتب الراحل الوردي: (لم أجد أثر) بدل (لم أجد أي أثر) لَفَرَقَ القول والطرح ويمكن ان يُقْبَلْ والغريب انه وضع هذا الرأي تحت عنوان فرعي هو: (اختلاف في الدرجة) ليقارنه مع البداوة في العراق والمنطقة.
ثم يعود في ص39 من نفس الكتاب وتحت عنوان فرعي هو: أهمية بن خلدون ليكتب التالي: [يمكن ان نقول عن العرب بوجه عام إن البداوة فيهم اقل توغلاً وشدة مما هي في المغول والتتر ومن لف لفهم. ولعل السبب في ذلك هو ان العرب قد تصارعت فيهم البداوة والحضارة منذ أقدم الأزمان وهم إذن أقرب إلى فهم الحضارة وأسرع الى التكيف لها من اولئك…الخ] انتهى…
وللعلم أن الدكتور الوردي زار الصين بعد ثورة 14تموز1958 مع وفد كبير. ومهما كانت مدة الزيارة فهي لا تتعدى ايام معدوده قضاها الوفد متنقلاً وفق برنامج محدد ومُراقب بدقة ومحسوبة عليه حركاته وكلماته وربما حتى انفاسه كما اتوقع ويتوقع غيري في بلد مثل الصين في ذلك العام 1958فكيف استطاع الراحل الوردي في هذه الفترة القصيرة جداً المحددة بكل شيء ان يجزم أنه لم يجد أي أثر واضح للموجات البدوية التي اجتاحت الصين قديماً؟
وهل لو زار العراق وفد رسمي ليلتقي صدام حسين كان يمكن له ان يتعرف على مظاهر البداوة بشكل واضح في المجتمع العراقي؟
كيف أدرك الوردي ذلك بجلاء؟؟؟ الحقيقة لا اعلم!!زيارة قصيرة تحت تلك الظروف الى الصين في تلك السنة المهمة في تاريخ الصين تحت حكم الحزب الواحد وسيطرة ماو تسي تونغ وفي ظروف ملتهبة على كل الصُعد حَكَمَ فيها الوردي على المجتمع الصيني بملياره وأكثر من البشر ومساحتها الشاسعة واطرافها المتباعدة المترامية وتضاريسها المتنوعة واقوامها واديانها وميولهم المتعددة أدرك الوردي بجلاء عدم وجود أي أثر واضح للموجات البدوية التي اجتاحت البلاد قديماً.
فكيف نُقَيَّمْ رأيه في العراق وشعب العراق والمجتمع العراقي؟
اليكم ما قاله الراحل الوردي عن زيارته الى الصين كما ورد عنه في كتابه: الأحلام بين العلم والعقيدة: دار كوفان للنشرـ توزيع دار الكنوز الادبية/بيروت ـ لبنان/الطبعة الثانية 1994 /ص19 حيث كتب الراحل الوردي التالي: [وقد علمت اثناء سفرتي الاخيرة الى الصين و روسيا ان هناك نظريات نفسية في هذا الشأن لا يستهان بها .ولكني مع الاسف لم استطع ان ادرسها دراسة وافية لقصر المدة التي بقيت فيها هناك من جهة ولجهلي بلغة القوم من الجهة الاخرى و عساني اتمكن من سد هذا النقص في وقت قريب او بعيد لا سيما بعد ان فتحت الثورة ابواب العالم شرقاً وغرباً وجعلتنا قادرين على دراسة جميع النظريات و الآراء العلمية من غير حجر او تحديد]انتهى.
[ملاحظة: كتاب الاحلام صدر عام 1959 بعد ثورة 14تموز1958 اتمنى من القراء الاطلاع عليه ليجدوا الفرق الهائل بين الوردي قبل هذا الكتاب وفيه وبعده… هذا الكتاب وما ورد فيه يبين نفسية الوردي وشخصيته العجيبة؟؟؟!!!].
………………………………….
قد يعترض البعض على التالي ويعتبره خروج عن أساس الموضوع/سلسلة مقالاتي عن الراحل الدكتور علي الوردي حيث اُقدر ذلك واعرفه وكان يمكن لي ان اضيفه الى ما وعدت القراء ان اطرحه تحت عنوان “كَتَبَ مُحبي الوردي عنه” ولكن أجد ان التالي مرتبط بما ورد أعلاه وبالذات بخصوص “زيارة الصين” وربما سأُكرر نفس الشيء مع غرائب أخرى إن وجدتُ ما كَتَبهُ محبي الراحل يأتي بنفس السياق او تحت نفس العنوان…عليه اعتذر وأؤكد.
……………………….
واليكم ما نشره أحد “محبي الوردي” عن تلك الزيارة [زيارة الصين] الرابط (في الرابط تجدون صورة للوفد مع ماوتسي تونغ)
https://www.facebook.com/74800697075/posts/10153169632062076/
وتحت عنوان: حكايات ـ الوردي يجادل ماوتسي تونغ: من الصفحة الشخصية لمستشار المركز الاستاذ سلام الشماع على الفيس بوك حيث ورد التالي:
[في أواخر عام 1958 سافر المرحوم الدكتور علي الوردي إلى الصين وحاضر أياماً على أجيال الاشتراكية وتجول في المجتمعات المقيدة والمفتوحة في أرجاء الصين وخرج بخلاصة هي أن (الحرية بنت المكان) وأنها لا تولد إلا في زمان يرتضيها، وقد أعجب أساتذة الجامعات في الصين بالوردي وجرأته ولسانه ولكنهم لم يعجبوا بفكرته عن الحرية وقالوا له: ليست للحرية أجنحة مقصوصة، بل مفتوحة فهي بنت عالم لا حدود له وهي ليست بنت مكان معين أو زمان معين. وفي يوم رحلته الأخير، التقى المرحوم الوردي الزعيم الصيني ماوتسي تونغ وجها لوجه وتحادثا بلا قيود واختلفا بلا قيود أيضا، ثم اتفقا أخيرا على أن (لكل مذهبا في الحرية)]انتهى
اقـــــــــول: اُجزأ هذا المقطع واُفسر كل جزء…حيث ورد التالي:
1.ورد[في أواخر عام 1958سافر المرحوم الوردي الى الصين وحاضر اياماً على اجيال الاشتراكية وتجول في المجتمعات المقيدة والمفتوحة في ارجاء الصين…] انتهى
اقول هنا: ان الوردي سافر عضواً في وفد كبير بعد ثورة 14 تموز عام 1958 كما يظهر في الصورة التي ارفقها الكاتب. أي لم تكن زيارة خاصة علمية او سياحية “سافر الوردي”.
لا اعرف ماذا يعني الكاتب بعبارته:” وحاضر أياماً على أجيال الاشتراكية”؟ أي اجيال اشتراكية تلك التي كانت في الصين وقت ذاك عام 1958؟ وعن أي مجتمعات مقيدة ومفتوحة يتحدث في بلاد مثل الصين في عام مثل عام 1958 وتحت قيادة مثل قيادة ماوتسي تونغ؟ ان الصين بلاد شاسعة مترامية الاطراف متنوعة ومختلفة الأرجاء. كيف حاضر لأيام في ارجاء الصين في تلك الزيارة القصيرة؟؟؟؟
- ورد: [وخرج بخلاصة هي أن (الحرية بنت المكان) وأنها لا تولد إلا في زمان يرتضيها، وقد أعجب أساتذة الجامعات في الصين بالوردي وجرأته ولسانه ولكنهم لم يعجبوا بفكرته عن الحرية وقالوا له: ليست للحرية أجنحة مقصوصة، بل مفتوحة فهي بنت عالم لا حدود له وهي ليست بنت مكان معين أو زمان معين] انتهى
أقـــــــــول: ان القول بأن “الحرية بنت المكان” و”وأنها لا تولد إلا في زمان يرتضيها”…هذا قول مردود وضعيف لا يمكن ان يُطرح…فكيف طرحه الوردي عن الصين في اشد سنوات الصين حراجة ودقة وصعوبة من جميع النواحي؟
كيف اُعجب اساتذة الصين بلسان علي الوردي و جرأته…ماذا قال لهم و ماذا طرح؟ لم يبين لنا الكاتب مثال عما طرحه الوردي فأثار الاعجاب؟؟؟ الغريب انه يطرح رد الاساتذة الصينيين الذين اعترضوا على طرح الراحل الوردي عن الحرية وفيه ربما استغراب فكلامهم عن الحرية أفضل/أدق من كلام الوردي والعجيب انه جاء في زمن ماوتسي تونغ وفي عام 1958 القاسي جداً على الصين وداخل سور الصين الثقافي والسياسي والعمراني الجغرافي.
3.ورد: [وفي يوم رحلته الأخير، التقى المرحوم الوردي الزعيم الصيني ماوتسي تونغ وجها لوجه وتحادثا بلا قيود واختلفا بلا قيود أيضا، ثم اتفقا أخيرا على أن (لكل مذهبا في الحرية)] انتهى
أقـــــول: انها رحلة قصيرة لعدة ايام لوفد رسمي عراقي كان الراحل الوردي أحد افراده. اما اللقاء مع الزعيم ماوتسي تونغ لم يكن لقاء فردياً “وردياً ماوياً” كما يحاول الكاتب اظهاره وانما استقبال رسمي بروتوكولي املته الظروف التي رافقت ثورة الرابع عشر من تموز. حاول الكاتب تصوير اللقاء وكأنه بين رجلين التقياً في نقاش حاد ومتشعب ومتميز ومهم وخرجا بما خرجا به وليس لقاء عادي بين زعيم أوحد لدولة حزب واحد مع وفد زائر لبلاده القى فيهم كلمة املتها الظروف سواء ظروف قيام ثورة الرابع عشر من تموز في العراق أو الظروف التي تعيشها الصين وقتها ورغبة البلدين في التعاون. ثم يختم الكاتب طرحه بالقول: [اتفقا أخيراً على أن (لكل مذهبا في الحرية)] يصور لنا ذلك الاجتماع المهم بين الرجلين وهما يناقشان موضوع الحرية واتفقا على ما اتفقا عليه وتم تدوين ذلك في محضر الاجتماع الذي ربما اطلع عليه الكاتب.
وعن الصين والوردي ذكر السيد محمد عيسى الخاقاني في كتابة مئة عام مع الوردي ص68 تحت عنوان:(مشاركات الدكتور علي الوردي العلمية خارج العراق 1953 الى 1988: [ان الوردي القى محاضرة واحدة في جامعة بكين في شهر أب 1958 وكانت تحت عنوان: الصين في التراث العربي] انتهى.
اقــــول: ربما تطرق الوردي في تلك المحاضرة الى الحديث الذي يقول:(اطلب العلم ولو في الصين) وافاض فيه كعادته ولَّحَنْ. وهذا ربما الذي أعجب الاساتذة الصينيون وهم يعيشون ثورة احياء التراث الصيني في تلك الفترة حسب اوامر وتوجيهات ماوتسي تونغ وربما هو النشاط الفردي الوحيد للراحل الوردي في تلك الزيارة.
[ملاحظة: عام 1958 هو عام قتل الطيور والمجاعة واحياء التراث الصيني وبالذات الطب الصيني وإطلاق خطة التصنيع].
هذه بعض كتابات عُشاق الوردي والتي ظهرت بعد رحيل الوردي.
عبد الرضا حمد جاسم
……………….
الى اللقاء في الجزء التالي