د. زاحم محمد الشهيلي
تعد الديمقراطية من ارقى الممارسات الحرة في المجتمعات المدنية المتحضرة في العالم، فهي لا تؤمن بالحكم المركزي القائم على الدكتاتورية والتسلط وقمع الشعوب، وانما بالتداول السلمي للسلطة، حيث اقيمت على عدة مبادىء اخلاقية محددة بقوانين يستطيع من خلالها الفرد ذات “الشخصية القانونية” الادلاء بصوته بشكل حر لاختيار من يمثله في الحكم من بين عدة مرشحين مؤهلين للتمتع بـ “الشخصية القانونية المعنوية”، وعبر الاقتراع السري في الانتخابات استنادا الى مبدأ التداول السلمي للسلطة.
وتلعب درجة الوعي الثقافي لدى الفرد دورا محوريا في الممارسات الانتخابية من حيث الدقة في اختيار الشخصية المعنوية التي تمثله في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، حتى يضمن الادارة النزيهة لرأس المال العام ورسم السياسات الداخلية والخارجية وسن القوانين التي تصون الحقوق والحريات وتحدد الواجبات للفرد في اطار الدولة المدنية الحديثة، التي تواكب التطور والانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي على الامم والشعوب الاخرى على اساس الاحترام المتبادل وضمان المصالح المشتركة بين الطرفين.
ووفقا لما تقدم، تكون الممارسة الديمقراطية اما اثباتا للذات او خيانة لها، ولا تكن ناجحة وبمستوى الطموح الا في حال توفرت عناصر الاختيار الاساسية الصحيحة في داخل الانسان ومنها مستوى الوعي الثقافي العام وتخطى حاجز المحسوبية والمنسوبية والفئوية من اجل المصلحة العامة للوطن والامة.
وهذا ما نجده في دول العالم الاول التي وصلت فيها الديمقراطيات الى قمة تطورها والتزامها الاخلاقي، والتي تعيب على مجتمعات دول العالم الثالث عدم أهليتها وتخلفها في هذه الممارسات لعدم قدرتها على اختيار الشخصيات المرموقة التي تمثلها في ادارة شؤون البلاد بشكل صحيح، وتشجع على نشوء دكتاتوريات البقاء في السلطة الى فترة أطول دون مراعاة للمصلحة العامة للفرد والدولة.
وعليه لا يمكن ان تكون الممارسة الديمقراطية ناجحة كما يريد المرء ويتمنى في بلدان الشرق الاوسط، التي تعاني من الازمات والحرمان وسوء الخدمات والرعاية الصحية والتعليم وتفشي الامية الفكرية، رغم مواردها الغنية، خاصة حين يذهب المرء في الممارسات الديمقراطية لينتخب الفاسدين والفاشلين، وكذلك من يحضى بالجاه والسلطان ووظف المال العام لخدمته وخدمة حاشيته، ولا ينتخب الانسان المهني النزيه الذي يحرص على المال العام ومستقبل الاجيال ورقي الامة، لكنه لا يمتلك المال الكافي لاغراض الدعاية الانتخابية والدهاء السياسي، التي تعد مصدرا من مصادر الفساد.
لذلك لا بد من ان تكون هناك وقفة جادة لمراجعة الذات والضمير الانسانية في دول الشرق الاوسط تهدف الى رفع مستوى الوعي الثقافي لدى الفرد، لكي يستطيع ان يختار بشكل صحيح من يمثله من الشخصيات المعنوية في ادارة شؤون الدولة، وحتى لا يصنف الفرد في دول الشرق على انه فاقداً “للأهلية القانونية” في ايجاد ذاته بهذه الممارسات الديمقراطية، وحتى لا يطالب الرأي العام بان تكون الممارسات الديمقراطية نخبوية في الشرق الاوسط بمنعزل عن الذين لا ترتق ثقافتهم وادراكهم الحسي الى مستوى القدرة على الاختيار الصحيح التي تكرس بقاء الفاسدين والمنتفعين.
ولذلك تكون هناك مسؤولية قانونية بالدرجة الاولى، وكذلك اخلاقية وشرعية، لتثقيف الفرد وتوجيهه بتجرد من قبل الدولة، ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ومنظمات المجتمع المدني، ورجال الدين الذين تهمهم “بالتأكيد” مصلحة الفرد والمجتمع، لانه كلما زاد وعي الفرد الثقافي في كيفية اختيار ممثليه، كلما زادت فرص النجاح في الممارسات الديمقراطية الحقيقية وتطورت وتطور المجتمع، والتي يلعب فيها مستوى وعي الفرد الثقافي دورا محوريا.
24/2/2018