قبل إستهلال سبر أغوار هذا الموضوع تتساقط أسئلة صادقة من تِلْقَاءَ نفسها، كتساقط رذاذ المطر على المروج المنبسطة :
هل فعلا يوجد شيء يدعى “الدرس السوسيولوجي المغربي” ؟ أم، أننا نجتر ما أنتجه الأخر في إطار التقليد الأكاديمي ؟ ثم، ما مآل الدرس السوسيولوجي اليوم في ظل فضاء زئبقي متغير ؟
لا يمكن الحديث عن الدرس السوسيولوجي و حظيرة العلوم الإجتماعية بصفة شمولية دون الإشارة _ ولو من باب التذكير _ لسياق الذي أفرز ظهوره في القرن 19 و الذي جاء كنتيجة حتمية لحاجة إجتماعية حارقة فرضت مواكبة التحولات الجذرية التي عرفها المجتمع الاوروبي بعد ان دحرج عجلة الثورة الصناعية تباعاً. الثورة التي خلخلت بنية المجتمع و خلقت نوعا من اللامعيارية الإجتماعية (l’anomie sociale) على مستوى نمط العيش و الروابط الإجتماعية و القيم وما إلى ذلك (…). في هذا السياق التاريخي بتحديد ظهر لنا (طبيب المجتمع) بعد مخاض جد عسير من النشأة و صراع حول الإعتراف، الى دخول حيز الإستقلالية بشرف، حتى تربع تحت شمس العلوم الإجتماعية و الإنسانية ضامناً لنفسه مكانا بجنب العلوم و التفرعات الشقيقة .
” السوسيولوجيا هي التي تأتي الفضيحة عن طريقها ” بهذا الهمس الباسكوني, نستوعب الموضوع الحقيقي لعلم الإجتماع بعتباره معرفة مزعجة، براديغم يعري و يفسد على الناس حفلاتهم التنكرية. فالمهمة الحقة لمن حمل على عاتقه (الرسالة النقدية لسوسيولوجيا)؛ الفهم و التفسير لإكتساب شرعية التغيير، و أي تغيير ؟؟ إزالة كل ماهو متخشب في كياننا العقلي حسب (الجابري) و التسلح ب براديغم منهجي حاد واضعاً قطيعة إبيستمولوجية بين المعرفة العلمية و ثرثرة الحس المشترك، و الإنطلاق من درجة صفرية مستأصلاً بذلك كل المسلمات العالقة و المترسبة بجزئيات كياننا العقلي و محطماً على إثرها بنيوية الأصنام الصخرية الغير مرئية التي تشكلت إنطلاقا من الإحتكاك اللحظي و المتسلسل بضمير الجمعي حسب (دوركايم) . بإقتضاب جد مختصر؛ السوسيولوجيا لا تهادن، ثورية إن صح التعبير، لا تعرف الإستجمام بزوايا الرمادية بل تنبع من المهمشين و نحوهم بتعبير (باسكون).
إقترن الدرس السوسيولوجي المغربي خلال فترة الإستعمار بالإشتغال وفق أجندات كولونيالية واضحة المعالم، فالبعثات العلمية التي تهافتت على المغرب لم تكن بريئة، كان أولها سنة 1904 بقيادة “بوشاتلي _ أستاذ علم الإجتماع الإسلامي ب collége de france ” مِن تم أُطلق العنان لباحثين كبار على سبيل المثال لا الحصر : ( إدموند دوتي، بيلر ميشو، دفوكو ميشيل، مونتاني روبيرت …) فخلال هذه المرحلة كان التمازج بين العلمي و الأيديولوجي هو الغاية ذاتها، فكل ما يُنجز يسهل التحكم و الهيمنة و يبني قاعدة معطيات لمعول الإستعمار. حتى غذت سنة 1956 و أعلن عن شيء يدعى (الإستقلال). لتبدأ السوسيولوجيا مرحلة مخاض جد عسيرة، بل مسار نضالي كانت غايته تأسيس درس سوسيولوجي علمي و خالص، يفصل الفصل الإبيستيمي بين (الذات و الموضوع) و تصفية الكتابة السوسيولوجية من براثين الإستعمار الى كتابة نقدية قلقة، كل ذلك وجد له أذن صاغية إبان ميلاد معهد السوسيولوجيا بمساعدة خبراء من اليونسكو سنة 1960 و ظهور أسماء كان همها الوحيد إستنساخ “درس سوسيولوجي مغربي نقدي” ينبع مِن مَن هُم تحت : ( الخطيبي عبد الكبير،جسوس محمد ،المكي بنطاهر، باسكون بول …. و غيرهم الكثير ) حتى أغلق المعهد أبوابه كُره سنة 1971 لعذر أقبح من ذنب.
اليوم وجب الوقوف ولو من باب _مغازلة التاريخ_ على واقع تدريس السوسيولوجيا في الجامعة المغربية، من خلال البحث في طبيعة الشروط الذاتية و الموضوعية المؤطرة للمنجز السوسيولوجي الجامعي من حيث (التدريس، اللغة، التكوين، مناهج البحث، البنية، الأفق …..) إلخ .