الدكتور زاحم محمد ألشمري
تُعرف الصداقة على أنها علاقة اجتماعية نابعة من الذات الإنسانية تربط شخصين أو أكثر، تكون الثقة والمودة والتعاون والصدق العامل المشترك بينهما، حيث يبرز التأثير المتبادل لكل طرف على مشاعر ومعتقدات وسلوك الطرف الآخر، ويكون الصدق المعيار الأساسي لديمومة الصداقة لأنها بكل بساطة مشتقة منه. ولكي لا تفقد الصداقة معناها الحقيقي يجب أن ترتكز على عدة معايير منها: الحب في الله، والوفاء ، وعدم التدخل في الخصوصيات، والأمانة، والثناء على الصديق، والنصح بحكمة، ودوام التواصل، واللين في الطبع، والسماحة، وعدم التعنت في الرأي، والمحافظة على السر، وصفاء السريرة، وعدم المكر والتقليل من الشأن، وأن تحب لصديقك ما تحب لنفسك، وقبل كل شيء يبقى التعامل الحسن مع الآخرين هو مفتاح لأسرارهم وسرائرهم بالانجذاب نحوك.
يقول (جون روكفلر): “إن المقدرة على معاملة الناس ” بضاعة” يمكن أن تُشترى كالسكر واللبن! وإني على استعداد لأن أشتريها بأكثر مما يُشترى أي شيء آخر في الوجود!” بهذه الكلمات العظيمة يصف (جون روكفلر) أهمية السلوك الإيجابي المتزن في التعامل مع الآخرين. فلو “إننا قارنا بين أنفسنا كما هي، وكما يجب أن تكون عليه لوجدنا أننا أنصاف أحياء، يقول (ديل كارنجي)، ذلك لأننا لا نستخدم إلا جزءاً يسيراً من مواردنا الجسدية والذهنية … أي إن الفرد منا يعيش في نطاق ضيق محدود يصطنعه لنفسه داخل حدود الطبيعة، فهو يملك قوى مختلفة الأنواع، لكنه يخفق بحكم العادة في استخدامها.”
و”لكي تجني العسل لا تحطم خلية النحل! ” كما يقال، لذلك فإن التعامل الحسن مع الآخرين واحترامهم بصدق يستل من بين ثناياهم الحب والاحترام والتقدير تماماً كما يجنى العسل من خلايا النحل، حيث يكون له مردوداً إيجابياً في العلاقات العامة وعلاقات العمل وزيادة الإنتاج والمحافظة على الأسرار وعدم البوح بها. صحيحٌ أن الناس غير متساويين في طبائعهم وسلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتربيتهم وثقافتهم، فمنهم الصالح ومنهم الطالح، ولكن هذا الأمر لن يكون أبداً مبرراً للبعض في التعامل مع الجميع بشكل سيء بسبب ذنب ارتكبه احدهم بقصد أو بدون قصد، لأن لكل إنسان تربيته وثقافته ووزنه الاجتماعي، وقد تبدر منه ردة فعل غير محسوبة النتائج لها مردوداً سلبياً على علاقة الصداقة أولاً والعمل ثانياً . “فإن سوء أدبك، يقول (ديفيز)، لا يفوقه إلا سوء أدبك.” ولكي تحرص على صداقة وعلاقة حميمة مع الآخرين عليك أن تتمم نقص نفسك أولاً.
يقول (كونفوشيوس)، وهو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي: (لا تتبرم بالجليد المتراكم على عتبة جارك قبل أن تزيل ما تراكم على عتبتك أولاً!) وهذا يعني أن يقوم الإنسان بإصلاح ذاته أولاً قبل أن يطمح إلى صداقة نظيفة مع الآخرين. لذا يجب عليك أن تتذكر دائما في معاملتك للناس بأنك لا تتعامل مع أهل منطق فقط، وإنما أهل عواطف وأحاسيس ومشاعر وأنفس حافلة بالأهواء، ملأى بالكبرياء والغرور.
ولكي تستطيع كسب الأصدقاء بطريقة دبلوماسية محسومة النتائج، يجب عليك أن تتجنب اللوم، فاللوم، يقول (ديل كارنجي): (شرارة خطيرة في وسعها أن تضرم النار في وقود الكبرياء). ومن يلاحظ أن لديه خلل في سلوكه يجب عليه أن يصلح ذاته ليكون فاعلاً في الوسط الاجتماعي. ويذكر أن الأمريكي (بنيامين فرانكلين) كان يعاني في شبابه من نقص اللياقة والكياسة في معاملة الناس، وبعد أن بدأ يصلح ذاته، ويعالج ما فاته، ويصحح أخطائه في التعامل مع من يقابلهم في العمل والحياة العامة والخاصة، وصل بلياقته وسلوكه الرائع إلى الحد الذي جعله يكون مرشحا لمنصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في فرنسا … فما السر في ذلك؟
لقد صهرت (فرانكلين) التجارب في التعامل مع الناس في محيط حياته اليومية العامة والخاصة حتى أدرك عقم اللوم، فقال قولته المأثورة: (سوف لا أتكلم بسوء عن احد، بل سأتكلم عن الخير الذي اعرفه في الإنسان). لذلك، فإن كسب الأصدقاء لا يأتي من خلال عبثية الإنسان وسلوكه الفج في التعامل مع الناس، إذا ما كان يروم النجاح والتفوق والفوز بمحبة الآخرين معاً، وإنما من خلال السلوك الوديع واللغة الناعمة (الدبلوماسية) في التعامل التي تجعل كل إنسان تلتقيه أو تتعامل معه يشعر بأن لديك، في القلب، قيمة لكيانه الشخصي والمكانة الاجتماعية والثقافية والعلمية التي يتحلى بها سواءً كان صديقاً أو زميل عمل أو طرف حوار. لذلك على الإنسان ألا يتصف بصفات اللائم النكدي، لأن “أي أحمق يسعه أن يلوم، يقول كارنجي، وأن يتهم، وأن ينتقد، بل هذا ما يفعله أغلب الحمقى، يضيف كارنجي، فدعنا بدلاً من أن نلوم الناس نحاول أن نفهم وننتحل لهم الأعذار فيما فعلوا، فهذا أمتع من اللوم، وهو يعقب الشفقة، والرحمة، والاحتمال.” ولنذكر في هذه المناسبة قول الدكتور (جونسون): (إن الله ياسيدي لا يحاسب إنساناً إلا بعد أن ينتهي أجله). فلما نعجل أنا وأنت بمحاسبة الناس؟! (… يتبع).