حق مشروع يثيره العــــديد من السيــــاسيين وبعض المفكــــرين الــــذين يعتبرون الدولة المدنية هي الدولة العصرية التي يجب أن تنتقل إليها الثورات العربية، يضاف إليه قلق من أن تنـــتج الثورات العربيــة حلقة جديدة من التطرف.
لا أظن أن التطرف يمكن أن يخرج
من الربيع العربي إذا لم نعمل نحن على تحويل هذا الربيع إلى خيار في مواجهة معادلات يتم فرضها من الأعلى، وعلى نقيض ذلك، فالربيع العربي هو أقرب إلى إعادة إنتاج فكر المنطقة من خلاله، فالنموذج الجزائري للتطرف، هو نموذج صنعته قاعدة الاستبداد ذاتها، عندما انقلب الجيش بأدواته على مفاهيم الحرية، في وقت كان يمكن أن تكون الجزائر رائدة الحرية العربية، لكن هذا الانقلاب، هو الذي أثقل هذه الأمة بدم ما كان ليسيل، لولا فكرة الاستبداد ذاتها، ولولا فكرة القلق مما يُسمى أسلمة المجتمعات العربية، ففي ظل الحريات لا يمكن أن ينمو فكر التطرف أو التعصب الديني، الذي ينتج كرد فعل لأي فكرٍ تغلق الباب عليه بالقوة.
أما فكرة التطرف لدى الحركات الأصولية المعاصرة- مع احترامي لأفكار للجميع- فباعتقادي، أن سبب هذه الفكرة، يعود إلى فهم هذه المنظمات لقانون العقوبات الإسلامي، وهو ما تسميه هذه الحركات إقامة شرع الله في الأرض، دون أن يدرك هؤلاء الأصوليون، أن قانون العقوبات الإسلامي، إنما هو يطبق عادة على أقل من ثلاثة بالمائة، من عدد السكان، لأنه لم يثبت أن أكثر من هذا الرقم، هو ما يلزم عقابه لدى المجتمعات، وهو ما يحتاج من أصحاب الفكر الأصولي التريث، والتفكير بمصلحة 97 بالمائة من المسلمين على أقل تقدير.
وهنا إذا سارت الحكمة بجوار الإسلاميين فعليهم أن يروا مصلحة 97 بالمائة من الأمة ولعل في تاريخنا قصة تعطيل الحد في ‘ عام الرمادة’ وهو ما يكفي الإسلاميين الجدل عن هذا الأمر.
ففيما يتعلق بالعلمانيين، ليس عليهم أن يروا أنفسهم حماة الديار وحدهم، وعلى الإسلاميين أنفسهم أن يعيدوا قراءة القرآن نفسه، فالقرآن الكريم قدم نموذجين للتغيير، الأول ما جاء في قصة موسى، وقوله تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً)… وهو عملياً ما نسميه منهجه الأنبياء في التغيير، والذي يكون سلمياً إلى ابعد الحدود في مواجهة فرعون الحاكم، وهذا ما يعريه، ويجعل الناس ينفضون من حوله، ويتركون منهجه.
وأما المنهج الثاني، فهو ما قالته بلقيس، وهو في الآية الكريمة،: ‘ قالت إنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ’ . وهذا بالطبع يقدم منهج الملوك في التغيير، وهذا المنهج يقوم على أساس إزالة طبقة حاكمة بالقوة، واستبدالها بطبقة جديدة، وهذا المنهج في التغيير يضع طبقة حاكمة بدلاً من طبقة، لا يصلح الأحوال كما يجب.
ما أردت قوله هنا، إن الحركة الإسلامية، هي معنية باستخدام منهج الأنبياء في التغيير الذي يقوم على أساس المعادلة الأولى، (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) وهذه المعادلة هي التي تفصل بين الحاكم وتعزل عنه شعبه، ولكن الحركة الإسلامية، بعمومها، ظلت خلال السنوات الماضية تفكر باستخدام منهج الملوك للتغيير، وهو ما يقوم عليه كامل الفكر المتطرف، وبالتالي، هذا يضعنا أمام سؤال هام جداً، فهل يليق بالإسلام أن يستخدم منهج الملوك في التغيير أم منهج الأنبياء في التغيير؟.
الإسلام وجه حضاري مميز، وكل ما يلزم أي قــــوة حــــية لكي تكون باعثة على الحياة هو أن تقود بشكل حضاري وعلى نقيض ذلك فالقــــيادة بشكل غير حضاري هو الذي يكتب تاريخه ومستقبله بدم الشعب على جدران الطرقات والشوارع، تماماً كما تفعل قوى ودول تدعي أنها علمانية وأنها تحافظ على هذه العلمانية.