الحنين لزمن المسعور عدي صدام
الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
مقهى ابو علي البرازيلي من اسوء المقاهي التي تقدم الشاي, لكن تعودنا على الاجتماع فيه كل يوم سبت عصراً, هنالك اجد من بقي من الاصدقاء للتبادل الاخبار والنقاش حول السياسة والرياضة, هذا السبت حضرت مبكراً لم اجد الا عجوزاً عتيق يدعى ابو لهيب, قصير القامة كثيراً ما يصرح بحنينه للنظام السابق, جلست بطرف المقهى قرب الشباك وفي يدي ديوان مظفر النواب اتصفح افكاره عن الحب والنساء وسحرهن, فاذا الصياح يعلوا بين ابو لهيب وشباب جالسون قربه, وكان النقاش رياضياً, حيث كان يتحسر الشباب على منتخبنا الوطني وكيف اصبح ضعيفا لا يمثل رقم مهم في اسيا, وصرخ بهم ابو لهيب: “لو عدي باقي كان الان نحن ابطال العرب واسيا بل وحتى العالم, لكن الموت اخذه منا”.
عندها عم الضحك المقهى, ورفض الشباب اطروحة ابو لهيب البعثية ذات الحنان المتدفق لحكم العفالقة.
قررت ان اتدخل في النقاش, فطلبت من الشباب السكوت والسماح لي بمناقشة هذا العجوز صاحب الافكار الغريبة, فقلت له: “الم يكن عدي موجود على راس الاتحاد من عام 1990 الى عام 2003, وكان المنتخب العراقي من اسوء منتخبات اسيا, وكنا مهزلة البطولات الاسيوية, اتذكر هزيمتنا في تصفيات كاس العالم 1998, ومهزلت امم اسيا 2000 في بيروت, وهزائم تصفيات كاس العالم 2002, وانديتنا كانت مسخرة في مشاركاتها الخارجية, وكل هذا بقيادة عدي صدام! فهل تحن لسنوات الذل والهزائم, التاريخ موجود فلا تدلس على الشباب.
سكت ابو لهيب فلم يجد ما يقوله, وتضاحك الشباب من هزيمته امامي, فحاول ان يرمم موقفه بالقول: ” لكن كان يوجد نظام وقانون”.
ضحكت من رد العفلقي المعتاد, وقلت له: “اذا كان كلامك على مستوى الرياضة وقيادة عدي للرياضة, فالعالم كله يعلم بعقوبات عدي لنجوم الكرة العراقية, حتى وصلت الى الفيفا وفتح تحقيقاً بذلك, بعد وصول شكاوي عديدة, وهرب الكثيرون من بطش عدي مثل رعد حمودي وفلاح حسن وشرار حيدر وقافلة كبيرة, وقصص التعذيب والغرف الحمراء متر ×متر, والحلاق صفر, والجلد, والفلقة, وخير مثال على ذلك النجم حبيب جعفر الذي تكلم كثيرا عن عقوبات عدي, وايضا مفيد عاصم وصادق سعدون وسعد قيس وهم نجوم المنتخب بالتسعينات, فاي قانون والكرامة مهدورة بقرار من المجنون عدي, هل تحن لزمن التعذيب, هل تشتاق لزمن عدي المعاق نفسيا؟!
تعالت اصوات التاييد في المقهى لطرحي, حتى صاح ابو مجتبى الحلاق: ” الله يلعن عدي المجنون, كان سفاحا يلاحق الفتيات برفقة عصابته, ويجبرهن على مطاوعته بالقوة والتهديد”.
تلعثم ابو لهيب وجلس ناكساً رأسه لا يعلم ماذا يقول, والحقائق تتراكم فوق رأسه, ولا سبيل للفرار من هذا الموقف, قال: نعم لا يمكن انكار سلبيات عدي كان شاباً طائشاً, لكن زمن ابوه كان افضل من ناحية الامان والقانون والنظام”, رمى ابو لهيب قنبلته الاخيرة بكل مكر, محاولا الحفاظ على فكرة العفالقة بان زمنهم كان زمن الخير للعراق.
كان يجب رد هجمة ابو لهيب الاخيرة, والتي هي جملة اعتدنا سماعها من ذيول النظام السابق, فقلت له: “في احد افلام النجم الراحل محمود عبدالعزيز كان مسجون لسنوات طويلة, وبعد ان خرج عوضه المتسبب بسجنه بمبلغ كبير جدا, فاشترى فيلا وسيارة, واصبح لديه خدم وحراس, لكن بقي يشعر بالحنين لزمن الذل في السجن, ولم يرتاح مع كل مكاسب الزمن الجديد, في النهاية قام بجلب سجان كي يذله مقابل اجر يدفعه له, فكل راحته تكون في الذل, وهكذا بعض الناس لا يرتاحون الا بالذل الذي كان يصبه على رأسهم صدام, ومهما تغيرت حياتهم يبقون يحنون للذل, فنفوسهم مريضة معاقة لا ترتاح الا بسياط الجلاد وشتائمه واهاناته, فليس غريب ان نسمع حنين البعض لعهد صدام.
غادر ابو لهيب المقهى باسرع ما يملك من قوة, وضحك الكل وكانوا متفقين مع اجابتي.