الحليف الروسي بين الشك واليقين
بقلم: الدكتور زاحم محمد الشمري
لايمكن لأحد من المتابعين للمشهد السياسي الإقليمي والدولي أن ينكر حقيقة ناصعة البياض، إن الإرهاب أخذ يتغلغل في كل منافذ الحياة الإجتماعية لأغلب البلدان في العالم، لترويع الناس وارهابهم بشتى الوسائل والطرق، ونشر افكاره المسمومة التي تدعو الى التطرف وتكفير الآخر وقتله، خاصة بعد أن فرض سيطرته على بعض المناطق في العراق وسورية، وتاسيس دولة له تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش). حيث ساهمت العديد من الدول العربية والاجنبية بتغذيته فكرياً ومادياً ومعنوياً ودعمه لوجستياً وإعلامياً، بحيث أصبح حقيقة لا يمكن تجاوزها.
إن تهديد الإرهاب الخطير للمجتمعات الآمنة افرز تحالفات دولية واقليمية، عُرفت بغرف العمليات المشتركة التي تقودها بتناغم الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية. حيث لم يكن التواجد الروسي العسكري في سورية لمحاربة الارهاب، بطلب من الاسد، دون نقاش وتنسيق مع الجانب الامريكي والاسرائيلي لتقاسم المصالح وتبادل الادوار في هذه اللعبة. فقد اجتمع الرئيس الروسي فلادمير بوتين مع الوفد الاسرائيلي برئاسة رئيس الوزراء نتنياهو في موسكو، حيث حصل الأخير على تطمينات بشأن حماية الامن القومي الاسرائيلي، بالاضافة الى ما أُتفق عليه خلف الابواب الموصدة. كذلك التقى الرئيس الروسي بوتين بالرئيس الامريكي باراك اوباما لبحث تنسيق الضربات الجوية ضد المواقع الارهابية في سورية حسب وسائل الاعلام. ومن الطبيعي الا يتركز لقاء بوتين – اوباما على مناقشة تنسيق الضربات الجوية ضد داعش فقط، التي يمكن الاتفاق عليها من قبل خبراء وفنيين عسكريين، وانما من الطبيعي ان تكون هناك حوارات حول مصالح الدولتين في المنطقة جرت خلف الكواليس. وهذا الامر يضع علامات استفهام كثيرة أزاء التواجد الروسي الحالي في المنطقة، خاصة بعد الاتفاق الروسي – الامريكي على تسوية الازمة السورية من خلال مجلس الامن الدولي الذي اصدر قراراً بهذا الشأن.
وهنا لابد من تقديم قراءة سريعة لتأريخ التواجد الروسي (الاتحاد السوفيتي السابق) في المنطقة العربية باعتباره حليف قوي (قديم) لبعض الدول العربية في فترة الحرب الباردة، وصراع القوى العظمى للوصول الى المياه الدافئة في منطقة الخليج العربي. حيث فشل الاتحاد السوفيتي السابق في دعم حلفائه العرب ومنهم مصر، الامر الذي دفع مصر الى انهاء العلاقات العسكرية المصرية – الروسية والتسليح واللجوء الى الولايات المتحدة، حيث انسحب الاتحاد السوفيتي الى دول القرن الافريقي، وفشل ايضاً في دعم هذه الدول، مما ادى بالنتيحة الى انهاء التواجد السوفيتي العسكري في القرن الافريقي والتوجه الى العراق، ليصبح الروس الداعم الاقوى للعراق في حربه مع الولايات المتحدة عام 2003 التي انتهت بسقوط بغداد. حيث قامت القوات الامريكية بتسهيل مهمة سفر اكثر من (200) خبير روسي كانوا يتواجدون في السفارة الروسية ببغداد.
لذلك يجب على من يريد تقييم التواجد الروسي في المنطقة العربية على مر التاريخ ان ينطلق من حقيقتين، الاولى: ضعف الجانب السوفيتي / الروسي في مواجهة الماكنة العسكرية الامريكية خلال الحرب الباردة وبعدها. والثانية: احتمالية وجود اتفاق مسبق، ربما مدفوع الثمن، بين السوفيت والامريكان للهيمنة على المنطقة العربية من خلال ايهام بعض الدول العربية بالدعم والمساندة السوفيتية / الروسية الذي يشرعن دخول الامريكان وحلفائهم فيها بسبب عدم تغيير مواقفها المدعومة “نظرياً” وليس “عملياً” من قبل السوفيت / الروس، لان الجهد العسكري سيكلف روسيا الكثير من الاموال باعتبارها الممول الوحيد لعملياتها الاستباقية في المنطقة عكس التحالفات المنضوية تحت القيادة الامريكية التي تمتلك مصادر تمويل متعددة.
كذلك نرى بان روسيا، اذا ما كانت جادة في موقفها تجاه حلفائها في المنطقة، سوف لن تبقى مكتوفة الايدي، وستقابل خصومها الند بالند سواءً في مجلس الامن أو على الارض وفي البحر في حال طُلب منها ذلك، كما طلبت منها سورية ادخال قوات مسلحة الى اراضيها. وفي هذه الحالة ستكون هناك قوة ردع كبرى مثل روسيا تمتلك السلاح النووي تجبر الطرف الاخر على التراجع واعادة الحسابات في مواقفه واهدافه السياسية والاقتصادية.
وهنا لابد من ذكر حقيقة، إن الجدية والاصرار الروسي، والتقارب بينها وبين فرنسا، على ضرب الارهاب بشدة في سورية والعراق بعد احداث باريس الاخيرة، جعل الموقف الامريكي أكثر جدية في محاربة الارهاب بالعراق، واكثر ليونه في ايجاد تسوية للازمة السورية، تتمثل بوقف اطلاق النار وفتح حوار بين المعارضة والحكومة بغض النظر عن رحيل الاسد الذي سيقرره الشعب السوري لاحقاً، حيث تم اتخاذ هذا القرار بالاجماع في مجلس الامن بعد ان سبقه عقد مؤتمر دولي حول سورية في نيويورك بتاريخ 18/12/2015 شاركت فيه روسيا وايران، والذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر باريس المنعقد بتاريخ 14/12/2015، حضره وزراء خارجية أمريكا وروسيا. وهذا الامر يؤكد حقيقة وجود اتفاق أمريكي – روسي بشأن تقسيم النفوذ في المنطقة، تكون بموجبه سورية منطقة نفوذ روسي والعراق منطقة نفوذ امريكي تجنباً للصدام المباشر بينهما.
أما في حال ان تكون روسيا غير جادة في لعب دور الحليف الحقيقي للعرب، وفعلت كما فعل الاتحاد السوفيتي السابق بعد حصولها على نفوذ سياسي واقتصادي على حساب العرب، فإن المنطقة العربية ستدخل في دوامة احتلال جديد يتم على اساسه اعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة من جديد، خاصة فيما يتعلق بالعراق وسورية، تنفيذاً لمشروع بايدن سيء الصيت. وبناءً على هذه المعطيات يبقى الحليف الروسي متأرجحاً بين الشك واليقين. (وجهة نظر شخصية)