الحكام الهائمون في الظلام والغائبون عن الوعي بالعراق
د. كاظم حبيب
غالباً ما ابتلى العراق، وعلى امتداد تاريخه الطويل، القديم منه والحديث، بحكام مستبدين استضعفوا الشعب وأساءوا له وسرقوا قوته وشوهوا إرادته وتعاملوا بجبن ونذالة معه. وقلة نادرة حقاً من الحكام الذين استوعبوا مهمتهم باعتبارهم حكاماً عليهم خدمة شعبهم لا أن يكون الشعب في خدمتهم. وجميع هؤلاء الحكام لم يكونوا أغبياء بقدر ما كانوا غير أوفياء لشعبهم وغير صادقين معه وأساءوا معاملته وزوروا إرادته وغيبوا مصالحه وحقوقه. ولكن حكام العراق الجديد فاقوا كل هؤلاء الحكام الأوباش وتجاوزوهم وأضافوا خصائص سيئة أخرى للسلف من الحكام. إنهم غائبون عن الوعي وغاطسون في ظلام دامس ويغرفون من أموال النفط ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب. افقدهم السحت الحرام صوابهم وما عادوا قادرين على التفكير بعقلانية ووضوح رؤية بل هم هائمون على وجوههم يحملون المليارات والملايين من الدولارات ومساحات شاسعة من العقارات والأراضي والقصور ودور سكن المهجرين قسراً والنازحين قهراً والمقتولين غدراً، فصدق عليهم قول ربهم “صم بكم عمي فهم لا يفقهون، رغم امتلاكهم لآذان القردة ولسان الثعالب وعيون الذئاب! إنهم التجسيد الفعلي لفلسفة البؤس والفاقة الفكرية والخرف المبكر. إن المال ربهم الذي يعبدون، وهم للسلطة ساجدون حتى لو كانت قازوقاً يجلسون عليه. إنهم اللعنة النازلة على رؤوس الشعب المستباح بهم وبأفعالهم الدنيئة.
أحدهم يعشق الثرثرة ويجتر نفسه ولا يكف عن ذلك حتى لو تلقى لطمات متلاحقة على فمه، لاعتقاده بأنه يتحدث بفلفسة، وليس فلسفة، لا تضاهىى وبما أنزل له إلهه من علوم وثقافات الأولين والآخرين، إنه فلتة زمانه ووحيده.
ذهب أحدهم لزيارة فنان كبير وعريق نزيل المستشفى ويعاني من أعباء السنين وحكام العراق. تجاوز عمره الـ 90 عاماً وبحاجة إلى الراحة. وقف هذا الحاكم، وبتعبير أدق، أمام الكاميرات منفوخ الأوداج، ليلقي محاضرة في فن المسرح على كبير المسرحيين العراقيين. وحين شعر الفنان المريض ومن هم حوله بالملل من حديث الرجل الخرافي والذي لا يعي ما يقول، وحين أراد الفنان الكبير ان يقول كلمة ليوقف الثرثرة الهادرة التي أتعبته وأتعبت الآخرين، ضرب هذا الحاكم المفدى على كتف الفنان طريح الفراش ليسكته وليواصل هو قذف ما في جوفه من درر! وكـأني به يقول لسامعيه عبر التلفزة، دعوني أخرط أمام الكاميرا وليسمعني الجميع قبل أن يفقدوني!! وقد تذكر العراقيون والعراقيات خطاب عبد السلام محمد عارف حين قاطعه الجمهور بهتاف ما، فقال لهم “لكم خلوني أكل خ…!
والآن طلع علينا هذا النمونة (الما ينطلع بيه)، هذا السياسي التحفة الًأثرية الصالحة لوضعه في متحف عتيق للبيع، ليهاجم مستشارة ألمانيا الاتحادية الدكتورة انجيلا ميركل، لأنها تختطف شباب العراق المتعلم والمثقف، وتناسى بأن السبب وراء هذه الهجرة المتعاظمة للشباب العراقي يكمن في نظامه الطائفي السياسي والمحاصصة الطائفية والأثنية، يكمن فيه وفي حزبه وفي التحالف الذي يعمل فيه والذي أوصل العراق إلى هذا المستنقع، ومعهم كل القوى الطائفية المماثلة التي كانت وما تزال هي السبب وراء هذه الهجرة الكبيرة من العراق هرباً من مجرمي داعش والنظام الطائفي السياسي الحاكم. إن العراق يخسر يوماً المزيد من النساء والرجال والأطفال في مياه البحر أو في شاحنات نقل السلع، بل انتم ومن هم أمثالكم هم الذين باعوا الوطن من أجل السلطة والسحت الحرام. تباً لكم وتباً لحكمكم الطائفي ومحاصصاتكم المناهضة لمصالح الشعب والوطن.
إنكم لا تستطيعون حتى تحمل أحدكم الذي أدرك البؤس والمرارة والألم الذي يعيش فيه شعب العراق، وإن هذا الشعب يموت ويحيا مئة مرة ومرة في اليوم الواحد، ولذا توج صوب عملية الإصلاح والتغيير، وإذا بكم تتكالبون عليه وتريدون طعنه بعمليات المزيد من النهب والخطف
وعرقلة عملية الإصلاح. إلا إن الشعب يقف لكم بالمرصاد وسيواصل تظاهراته ليحقق التغيير الحقيقي المنشود بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية الخالية من الفساد والإرهاب والظلاميين.