الحزب الشيوعي العراقي (3)
قلوب الناخبين معه واصواتهم لغيره!
أ.د.قاسم حسين صالح
من مفارقات ما حصل في الأنتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات، ان الحزب الذي تعرض في 1963 لأفجع تراجيديا ابادة سياسية في الشرق الأوسط،وضحى بعشرات الألاف بين قتيل وسجين ومهجّر من اجل (وطن حر وشعب سعيد)..ان الكثير من العراقيين أحبوا الشيوعيين لنزاهتهم وصدقهم في اقامة دولة مدنية..لكنهم في الأنتخابات كانوا يعطون اصواتهم لغيرهم..فالحزب الشيوعي لم يحصل في برلمان 2005 سوى على مقعدين فقط! وضمن قائمة العراقية!..في مفارقة هي أن القائمة العراقية كانت هي التي فكت ارتباط الحزب الشيوعي بها لأربعة أسباب أحدها ما نصه:( عدم التزام الحزب الشيوعي بمنهج القائمة ومشروعها الوطني واقترابهم من المشاريع الطائفية والعرقية! ).
لقد اوضحنا في حينه بأن العقل الانفعالي يتحكّم بجماهير الضحية حين يطاح فجأة بجلاّدها فتعطي أصواتها في الانتخابات لمن يتعاطف معها طائفيا وقوميا ومن يمثلّهم بالمظلومية.
ومع أنه تبين لتلك الجماهير أن الكثير من الذين انتخبوهم وظنّوا انهم سيخدمونهم..خذلوهم وخانوا الثقة والأمانة، وأن الناخب لا يلدغ من انتخاب مرتين ، وأن العراقيين يبحثون عن بديل منقذ ، فاننا اعدنا التوكيد في مقال موثق بأن الشيوعيين سوف لن يحصلوا في الانتخابات المقبلة حتى على نصف المقاعد التي ستحصل عليها كتل ليس لها تاريخ سياسي كتاريخهم ولا تضحيات كتضحياتهم..وقد حصل!
ويعزى ذلك لأسباب تتعلق بقانون الانتخابات الذي شرعته أحزاب السلطة ،الذي حرم مرشحه( جاسم الحلفي) من الوصول الى البرلمان برغم حصوله على اكثر من (17) ألف صوتا، واخرى سيكولوجية في أغلبها ، أولها: ان الشيوعيين توفرت لهم فرصة استلام السلطة عام 59 حين ضرب عبد الكريم قاسم..وصارت اللقمة على بعد سنتمرات من الفم وما أخذوها!..فتولد انطباع بأن الشيوعيين مصابون بـ(عقدة الخوف من السلطة)..وأنهم غير قادرين على ادارة بلد محاط بثلاث دول اسلامية قوية تجمعها،على اختلاف انظمتها ومذاهبها ،كره الشيوعية.
وثانيها: ان الحزب ما كان قادرا ،او مستوعبا في توعيته الثقافية لمجتمع شاعت فيه بعد السقوط ثلاث ظواهر من الانتماءات البدائية: العشيرة والطائفية والقومية، ناجمه عن سيكولوجيا الاحتماء ، ولم يكن نشاطه فاعلا في صفوف الشباب الذين يشكلون اكثر من 60% لهم خصوصيات أنهم ولدّوا في حرب ونشأوا وعاشوا في حروب.
فضلا عن انه لايمتلك قناة فضائية ولا اذاعة ولا صحافة بمواصفات متطورة،وليس له نشاط ثقافي مؤثر عبر وسائل الاتصال المختلفة لاسيما القنوات الفضائية،وان المتحدثين باسمه كانوا ينحصرون باثنين (حميد موسى ومفيد الجزائري ) مما اثار لدى المواطن العادي تساؤلا مشروعا : ( يعني ماكو مثقفين بالحزب بس ابو داود ومفيد)!..تلاهما اثنان ايضا(رائد فهمي وجاسم الحلفي)!.
افدح أخطائه
يعدّ تحالف الحزب مع التيار الصدري بقائمة (سائرون) أفدح أخطائه.لأنه ليس فقط نقيضه الأيديولوجي ،بل انه في تحالفه مع تيار ديني يكون قد اضفى الشرعية على أحزاب دينية تمارس القتل .ولهذا فانه كان في نظر التقدميين (خيانة) للمباديء الماركسية، ووصولية وانتهازية في نظر محبيه وخصومه،ولقد ادرك ذلك فانسحب.وهذا يذكرنا بخطأ سابق حدث في السبعينيات..يوم كشف الحزب اعضاءه أمام الأجهزة الأمنية باعلان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وما حل بهم من اغتيالات واعتقالات وتشريد وتهجير..وانسحب منها ايضا!..ويبدو أن العقدة المتحكمة فيه ان يبحث عن قوى نزيهة ليتحالف معها في زمن صار فيه النزيه، بالمواصفات الماركسية، اندر من الذهب الروسي!.
ويحسب للحزب انه شخّص بعمق خيبة العراقيين في تطلعهم الى اقامة بديل مدني ديمقراطي بعد التغيير الذي اطاح بأبشع نظام دكتاتوري شمولي استبدادي شهده العراق.ونبّه الى أن الأزمة السياسية التي اعتمدت المحاصصة الطائفية –الأثنية في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ،وتوظيف الدين من قبل أحزاب الأسلام السياسي ستبقي العراق وشعبه معرضا لأخطار وكوارث اخرى قادمة ما لم تتوحد القوى الوطنية والعلمانية بوجه هذا (الأستبداد الديمقراطي) الاسلامي..وما حصل أنه لم يستطع تحقيق ذلك..فعاد يعيش محنته السابقة في تحالفه مع (سائرون) ليفكر،ربما، في التحالف مع كتلة (النصر) لحيدر العبادي!.
الشعب يريد البديل
ان اهم دليل على فشل أحزاب الأسلام السياسي هو عزوف العراقيين عن المشاركة في انتخابات 2018،وأن الجماهير تبحث عن بديل منقذ،وان عليه ان يستثمر حالة التذمر الشعبي من توالي الخيبات وافقار (14) مليون عراقي في واحد من أغنى عشرة بلدان في العالم بتنفيذ ما اقره في مؤتمره العاشر بان يعمل على اجتذاب وتعبئة الطبقات والفئات الاجتماعية وبالذات العمال والكادحين وصغار المنتجين والفلاحين والطلبة والشبيبة والنساء والمثقفين،والتحالف مع قوى وطنية وقومية تقدمية وشبابية في الأنتخابات المبكرة.وعليه ،والقوى الوطنية ايضا،ان يستعين بعلماء نفس متخصصين في سيكولوجيا الأفناع وتغيير الأتجاهات.فبين قياداته من يرى بأن (الوطني) معروف بتاريخه ولا يحتاج الى دعاية،وهذا ليس صحيحا..ففي الدعايات الانتخابية تكون للحزب ،أي حزب ، ثلاث مهمات: التعريف بنفسه ومرشحيه،والتعريف ببرنامجه ،واعتماد الأسلوب الذكي العلمي العارف بسيكولجيا الاقناع.
ختــامــا.
لا يختلف اثنان على ان الحزب الشيوعي العراقي كان ايقونة العراق ليس فقط في النضال والتضحية بل وفي الثقافة والفنون ،لاسيما المسرح ،وفي الاخلاص بالعمل، والنزاهة التي جعلت حتى البسطاء على يقين من ان الحزب لو كان له من البدء تمثيل برلماني مؤثر وقيادات في مراكز الدولة..لما وصل العراقيون والوطن الى هذا الحال البائس والمفجع.
وما كتبناه في مقالاتنا الثلاثة انطلق من مقولة خالدة للخليفة عمر بن الخطاب (رحم الله امرءا أهدى اليّ عيوبي) التي تعني بمصطلحاتنا الحديثة..النقد البنّاء النابع من محبة صادقة والهادف الى تقويم العملية السياسية في العراق. ولم يكن هذا النقد خاصا بالحزب الشيوعي وحده،بل كل القوى الوطنية والقومية التقدمية التي تسعى لفصل الدين عن السلطة وأقامة دولة مؤسسات مدنية في وطن يمتلك كل المقومات لأن يعيش أهله برفاهية.
*