قبل ان يتفشى فيروس كورونا ويصيب الاقتصاد العالمي بصدمات مروعة، كانت مظاهر عدم المساواة تتزايد في اجزاء كثيرة من العالم المتقدم والنامي على حد سواء، لكن من الواضح الآن ان التداعيات الناجمة عن الوباء، ستزيد بشكل كبير من حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على المستوى الدولي.
ومع افتقاد عديد من دول العالم لشبكات الحماية الوظيفية زادت الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الطبقات العاملة والفئات الاجتماعية الاكثر ثراء، خاصة ان الاغلبية العظمى من العمال في الدول النامية تعمل في وظائف غير رسمية، ولا تحصل على أنواع الدعم الذي يحصل عليه العمال في الدول الغنية من اعانات للبطالة وضمانات اجتماعية وصحية في اوقات الازمات.
هذا ما اشارت إليه جريدة العرب الاقتصادية الدولية، ولكن مع ظهور البوادر الأولى لفيروس كورونا بداية عام 2020، حذرت عديد من التقارير الدولية من تفاقم ظاهرة عدم المساواة على الصعيد الدولي، واشارت الأمم المتحدة إلى ان الأرقام تكشف تزايد عدم المساواة بين اكثر من 70% من سكان العالم وان تفاوت الدخول ازداد حدة في معظم الدول المتقدمة وبعض الدول ذات الدخل المتوسط.
وبحسب وجهة النظر هذه فان مشكلة عدم المساواة تأخذ ابعادا خطيرة واكثر تعقيدا الآن اكثر من أي وقت مضى في عالمنا الراهن في خضم ثورة معرفة عميقة وسريعة ومضطربة في بعض الاحيان، وقد راهن كثير من الخبراء بان تساهم تلك الثورة المعرفية في تقليص فجوة الثراء على الصعيد الوطني والعالمي، الا ان هذا لم يحدث حتى اليوم على الاقل، فالتقدم في علم الاحياء وعلوم الوراثة والروبوتات والذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية يترك بصمات عنيفة على الاقتصادات والمجتمعات وتوسع الهوة بين الرابحين والخاسرين.
يثير بعضهم تساؤلا حول قدرة فجوة عدم المساواة المتزايدة على دفع الدول لممارسة دور اكبر والتدخل لردمها، ام يجب ان يترك الأمر لآليات السوق لتحدث التقارب الطبقي المطلوب حتى ان كان عبر فترة زمنية اطول نسبيا ولكن بصورة أكثر اتزانا وطبيعية مقارنة بما قد ينجم عن تدخل الدولة من تحطيم لميكانيزمات الاقتصاد الحر.
الدكتور نايجل سميث استاذ الاقتصاد الدولي والاستشاري في الأمم المتحدة يستبعد قدرة آليات السوق على احداث تغيرات جذرية لسد الفجوة الطبقية في عالم التكنولوجيا، ويطالب بتدخل الدولة للقيام بذلك دون ان يعني ذلك تجاهل عمل الاقتصاد الحر.
يشير عديد من التقارير والدراسات الى اتساع فجوة عدم المساواة بشكل ملحوظ في الاعوام الاخيرة، ففي تقرير لبنك كريدت سويس بشأن الثروة العالمية جاء فيه بان الافراد، الذين يمتلكون اصولا تزيد قيمتها على 30 مليون دولار لا يمثلون سوى 0.002% من سكان العالم، لكنهم يمتلكون 7.2% من اجمالي الثروة العالمية!.
وفي تقريرها السنوي حول الفوارق الاجتماعية واللامساواة كشفت منظمة «اوكسفام» التي تأسست في بريطانيا عام 1942 ان كبار اغنياء العالم لم يتضرروا من أزمة «كوفيد-19» بل بالعكس ازدادوا ثراء، فيما جددت المنظمة دعوتها لفرض ضريبة على الثروة بهدف توظيفها في مكافحة «فيروس اللامساواة» الاجتماعي حسب تعبيرها.
وبحسب تقريرها فان الاغنياء الاكثر ثراء في العالم (نحو 1000 شخص) استعادوا مستواهم من الثروة في غضون 9 اشهر فقط، عكس الاشخاص الاكثر فقرا الذين يلزمهم الانتظار عشر سنوات لكي يتعافوا من العواقب الاقتصادية الوخيم التي سببتها أزمة «كوفيد-19».
ووفقا لاحصاءات شرها بنك سويسرا ومجلة «فوربس» الامريكية، فان ثروة اغنياء العالم ازدادت 39000 مليار دولار بين مارس وديسمبر 2020.
يقول تقرير نشره موقع «اكسيوس» الامريكي انه المرة الأولى في التاريخ التي ترتفع فيها مستويات اللامساواة في جميع البلدان تقريبا في الآن ذاته، على خلفية تداعيات جائحة كورونا.
في أعقاب الجائحة تنامت اعداد الذين يتقاضون ما يقل عن 1.90 دولار في اليوم بأكثر من 400 مليون في العام الماضي، كما حرم أكثر من 3 مليارات شخص من الرعاية الصحية، ومن المتوقع في هذا العام ان يرتفع عدد الفقراء بسبب الجائحة إلى ما بين 143، و163 مليون شخص؟
تناول تقرير الأمم المتحدة ازمة فيروس كورونا المستجد من حيث انها أزمة اشتعلت جراء تفاقم الفقر وزيادة التفاوتات والتمييز المتجذر والفجوات الاخرى في حماية حقوق الانسان، وان الاجراءات التي تسد هذه الفجوات تتمثل في النهوض بحقو الانسان لكونها تضمن لنا التعافي واعادة بناء عالم أفضل أكثر مرونة وعدالة واستدامة، ولن نصل إلى هذه الأهداف العالمية المشتركة الا اذا كنا قادرين على خلق فرص متكافئة للجميع ومعالجة الاخفاقات التي كشفها فيروس كورونا وتطبيق معايير حقوق الانسان للتصدي لأوجه عدم المساواة والاقصاء والتمييز المتجذر بين الاجيال.
إلى جانب هذا دعت المنظمة الأممية في احتفالها باليوم العالمي لحقوق الانسان الذي انعقد في ديسمبر الماضي تحت شعار (التعافي بشكل افضل) الى اشراك الجميع لتعزيز العمل الجاد والمساهمة في التعافي بشكل أفضل وتعزيز المزيد من المجتمعات العادلة القادرة على الصمود من خلال انهاء التمييز من أي نوع ومعالجة جائحة «عدم المساواة» من خلال حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاننا بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد لعصر جديد وبحاجة ايضا إلى تنمية مستدامة.
وكشف تقرير برنامج الامم المتحدة الانمائي ان النساء يتحملن العبء الأكبر من ازمة فيروس كورونا، حيث من المرجح ان يفقدن دخلهن ويقل احتمال تغطيتهن بإجراءات الحماية الاجتماعية!.
وكشف ايضا ان جائحة كورونا وتداعياتها من المرجح ان تدفع 47 مليون امرأة اخرى إلى الفقر وان زيادة معدل الفقر بين النساء نسبته 9.1% في حين اشار إلى ان الزيادات في فقر النساء المدقع هي «اتهام صارخ لعيوب عميقة» في طريق هيكلة المجتمع والاقتصاد، ويمكن انتشال اكثر من 100 مليون امرأة وفتاة من دائرة الفقر إذا قامت الحكومات بتحسين الوصول إلى التعليم تنظيم الاسرة، وضمان ان تكون الأجور عادلة ومتساوية مع أجور الرجال.
الخلاصة.. لابد نذكر هنا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة: ان العالم يحتاج إلى عقد صفقة عالمية جديدة، يتم فيها تقاسم السلطة والموارد والفرص بشكل أفضل على طاولات صنع القرار الدولية.