الجائحة الكورونية من منظور فلسفي
د زهير الخويلدي
“يذكرنا فيروس كورونا بإنسانيتنا وحالتنا ككائنات اجتماعية بعمق، وبعدم انفصالنا عن بعضنا البعض.”
ادغار موران
لقد فتكت كورونا بالعباد وتسببت في الهلاك والتدمير الى حد لا يطاق وأزهقت الأرواح ويتمت الأطفال وأعلنت الجهات المسؤولة هزيمتها أمام الوباء وعدم قدرة المستشفيات على القيام بالواجب المهني وانهيار المنظومة الصحية وامتلاء الفضاءات وتقاعس القطاع الخاص في إغاثة ونجدة مؤسسات القطاع العمومي. الغريب أن الكل يرمي بالكرة في ملب المنافسين ويتنصل من المسؤولية، فالحكومة تقول بأن المواطنين هم الذين لم يحترموا الإجراءات والتدابير التي وضعتها بغية الاحتراس من الجائحة وكسر العدوى ومحاصرة انتشار الفيروس وتبرر ذلك بالتسيب والهمجية والفوضى والتجمهر والاكتظاظ وتنظيم عدد من الاجتماعات واللقاءات في غير محلها وفي غير أوانها دون الالتزام بالبروتوكول الصحي الذي يفرض التباعد والتحصين.
من جهته يتهم الشعب الحكومة بالتقصير في التحرك في الوقت المناسب والتأخير في تدعيم القطاع الصحي بالمعدات والميزانية المالية الكافية والتردد في المعالجة والارتعاش عند اتخاذ القرارات والتعاطي بسلبية مع مقترحات اللجنة الوطنية الطبية العليا التي اقترحت عدة توصيات حازمة للتصدي ولم يتم الانصات اليها والأخذ بالاعتبار بتوصيفها للأسباب والمشكال والنقائص من جهة والحلول التي افترضتها من جهة أخرى. المحصلة التي انتهينا اليها هي طب بلا نجاعة وتعايش مع الفيروس بلا أمل في الشفاء وتقلص فرص النجاة وتعثر جهود الاغاثة وتلقي الضربات الوبائية بتتالي الموجات الفيروسية وعدم كفاية الوسائل الوقائية والطرق العلاجية الرسمية والبديلة للتخفيف من معاناة البشرية في الهشاشة والعوز. لقد حرص البعض على تقوية رصيد فرضية مناعة القطيع في مواجهة انتشار الفيروس وراهن العض الآخر على التعايش مع الوباء والتعويل على مناعة كل فرد وتحميل كل شخص مسؤولية اصابته وتعرضه للعدوى ولكن النتيجة كانت كارثية والوضع الوبائي تفاقم والتلاقيح تأخرت والمنظومة الطبية أثبتت فشلها أمام سرعة انتشار العدوى وتحول سلالة الفيروس واكتسابه لمناعة ضد العقاقير المستعملة والأدوية الكلاسيكية المنتهية. في هذا السياق الجنائزي لا يجد الفيلسوف سوى جهاز اللغة لكي يكتب عما يحدث بطريقة أمينة وينقل الأحداث التي عاشها كماهي وأن ينقد الواقع ويضع اصبعه على الداء ويشخص العلل ويحدد المسؤوليات ويحدد الأولويات ولا يمسك نفسه عن ادانة الكارثة ويشهر بالمتسببين فيها ويلعن تجار الآلام ومصاصي دماء الشعوب من القراصنة الجدد الذين يتصيدون الأزمات ويفتعلون المشاكل لكي يستثمروا في سوق الدفن ويجعلوا من الموت قيمة زائدة على الحياة ويسدوا باب الامل على الناس ويدفعوهم الى الطاعة أو المغادرة. لا تضيف الفلسفة معرفة واحدة الى الطب ولا تعطي البشر جرعة واحدة من الحياة أكثر من علوم الأحياء ولكنها تبقي على باب الانفراج مشرعا وترى الخروج من الأزمة والانتصار على الزمن الكوروني ممكنا. أليس اهم درس نتعلمه من هذه المحنة هو التصافي والتضامن والايثار والكف عن الافساد والاستصلاح؟ ألم يصرح ادغار موران في هذا الصدد: أنه لا يمكننا الهروب من حالة عدم اليقين: ما زلنا في حالة عدم اليقين من علاج فيروس كورونا، من تطورات وعواقب الأزمة وسنبقى في حالة عدم اليقين من المغامرة البشرية”؟
كاتب فلسفي