صادق غانم الاسدي
ليس كل من استرسل بالحديث وواظب على القراءة وحفظ الأشعار وحمل المعرفة وحصل على الشهادة هو المثقف , الثقافة هي مزيج من الأفكار والمعتقدات والقيم والعقائد التي يتصف بها المجتمع ويدافع عنها الفرد بسلوكه اليومي شريطةً أن لا يخدش مشاعر الآخرين ويتعرض لانتهاك حرياتهم وإيذائهم بمبررات غير شرعية ,والمثقف هو الذي يحمل هموم الآخرين ويتدارك انفعالاتهم ويضبط تصرفاته ويسيطر على حواسه ومشاعره أثناء الغضب , أي نستطيع ان نقول هو الذي يتصرف بروحية وعقل تنسجم مع القيم الإنسانية التي أقرتها الشرائع السماوية , ويحلل الأمور بطريقة علمية ترفع من شأنه وتزيد احترامه في المجتمع او الأسرة , والذي يؤدي الى بناء المجتمع وازدهار الحضارة وتقدم الشعوب ولا يختلف الأمر بالنسبة للتطور الاقتصادي والسياحي فهو مرهوناً بمدى ما يمتلكه الشعب من ثقافات تنقله من حالة التخلف الى حالة أكثر تطوراً ورقياً , وكلما هبط المستوى الثقافي للشعب يرتفع مستوى التخلف والأجرام وتنتشر الفوضى والإمراض , ونلاحظ ذلك أثناء سيطرة الدولة العثمانية على العراق التي اهتمت بالجانب العسكري من اجل الحفاظ على أمنها , وتركت التعليم والصحة من مسؤولية الشعب دون الأشراف عليها ودعمها بالأموال , كي يعم الجهل وتكثر الأمراض وتموت روحية الثقافة والوعي لدي المجتمع ويطول بقاء الاستعمار ونهب الخيرات , لذا عمدت الدول الاستعمارية على تجنب الشعوب التي تمتلك ثقافات وتنتشر فيها النهضة العلمية والأدبية من السيطرة عليها كي لأتصاب بالضرر والفشل , ونقلت عموم أهدفها ومشاريعها الاستيطانية للدول الفقيرة مستخدمة أساليب الترغيب والترهيب لااحكام السيطرة على الشعوب المتخلفة , ومن الأقوال الجميلة (قيل أعطيني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا) وقيل أذا أرت أن تهدم شعب فعليك بالتربية آو تبني مجتمع فعليك بالتربية , في الحقيقة أذا أردنا أن نشخص أي حالة علينا بنكران الذت وعدم المجاملة , من اجل تشخيص الخلل ومعالجته , وان التعصب أمام أي قضية سينعكس سلبا على أداء دور الفرد ويقف حائل بينه وبين تشخيص الخلل ووضع الحلول الناجعة لها , وما يمر به مجتمعنا العراقي يتطلب منا وقفه لمعرفة الخلل ومعالجته , اليوم في العراق هنالك تخلف عشائري ويرافقه تخلف ديني بل جهل ببعض أمور الدين , انعكس هذا التخلف على تعطيل الكثير من القرارات الأمنية بحق بعض المجرمين وهم يمارسون تصرفات لاتمت الى مكونات وتقاليد وأعراف قبائلنا العربية من الأمانة وإكرام الضيف وإنصاف الحقوق المغيبة ونبذ الأعراف التي لا تنسجم مع مبادئ ديننا الإسلامي , مع أن بعض العشائر أصبحت ملاذاً للمجرمين والقتلة وهم يدافعون عليهم بحجة انتمائهم وارتباطهم بهيكل العشيرة , وكذلك التخلف الديني هو اخطر ما يمر به الشعب , بحكم حبنا للدين بعواطفنا وقلوبنا , وهنالك الكثير من الأمور تتعلق بجهل وتعنت الناس بأمور وخرافات ينبذها الدين الإسلامي كالمنجمين والاسائة الى رموز الدين من خلال ظهور معاجز بعيدة عن العقل ولا تتطابق مع سنة الرسول وأحكام أهل بيته الكرام , والشواهد كثيرة ونبتعد عن الخوض بها , وقد حث الشيخ علي الإبراهيمي من خلال الشاشة العراقية على نقد بعض هذه التصرفات ومحاربتها للحفاظ على نهج الدين الإسلامي الصحيح ,اليوم أصبح للعراقيين مساحات واسعة من المعرفة والإعلام الحر , وشارع المتنبي ينهل بالمعرفة اليومية ويتوافد عليه الكثير من القراء والمثقفين , وعلينا ان نستثمر الصالح منها ونرشد الناس الى المعرفة الحقيقة وثقافة الحوار وتبادل الرأي هي الطرق الصحيحة لبناء المجتمع , وكلما كان حسن التصرف والاستماع لتبادل وجهات النظر من أفراد المجتمع في ما بينهم سنحصل على ثمرة الأمان والسمو ويقول سيد البلغاء أمير المؤمنين علي عليه السلام احمل أخاك على سبعين محمل , الثقافة ليس تعلم القراءة والكتابة , بل هي حسن التصرف وإدارة رب الأسرة أسرته بطريقة تبين لهم الحلال والحرام وتعيش الأزمات دون الاستنجاد بالغير ولا تتعرض لانتهاك حقوق الآخرين , وغرس روح المواطنة وحب الوطن في نفوسهم , مع العلم أن التمسك بالدين وتعاليمه الذي لايكلفك أي شيء مادي هي أفضل الثقافات , وأحسن المناهج وأغزر العلوم وأعظم الطرق الإنسانية .