حسن حافظ
اذا كانت (الديموقراطية ) هذه الكلمة الساحرة تعنى ( حق الانتخاب والاختيار لكل انسان يمتلك الاهلية الكاملة والقانونية ،في ممارسة هذا الحق عن طريق انتخاب من يمثله في البرلمان وبقية المؤسسات الاخرى) فانها في جملة ماتعني ايضا (الانفتاح ) على الاخرين ،فانت لست وحدك في الساحة السياسية او الاجتماعية ، ومن هنا ياتي التعريف مكملا لممارسة الحقوق الشرعية الاخرى ، واحترام اراء الاخرين ومعتقداتهم الشخصية ،والتعبير عنها بمختلف الوسائل ،كما نصت عليها شرائع السماء ولائحة حقوق الانسان ،واغلب دساتير العالم …وقدورد تعريف الديموقراطية انها ( ذلك النظام السياسي الذي يتيح للشعب حرية الانتخاب من قبل طبقات وشرائح المجتمع كافة وبالتساوي ودونما تمييز في اللون او الجنس ،عن طريق اختيار ممثليهم نحو المجالس البرلمانية )(معجم اوكسفورد ص 308) وهذه الممارسة وتطبيقها على ارض الواقع هي التي تتيح للمواطن في ان يكون (حُرّا ً)في ان يمارس هذا الذي جرى تأهيله ليصير ممثلا للشعب ، وضرورة ان يكون كفوءا وجديرا بهذه المسؤولية التي قد انيطت به ، والا سيجري استبداله في انتخابات قادمة ! كما ان الحصانة التي يتمتع بها هي (مؤقتة) فمتى اخلّ بهذه المسؤولية بطريقة ما ، جرى سحب الثقة عنه ، وبالتالي تم سحب الحصانة عنه ، وتم تقديمه الى المحاكمة ،متى ما تمّ ارتكاب جرم ما ،شأنه في ذلك شأن اي خارج على القانون ،لذا فإن المسؤولية كبيرة ،وعلى ممثلي الشعب الذين تم اختيارهم تقديم الخدمات للمجتمع ،بدلا من تقديم الخدمات الذاتية لأنفسهم ،وعلى حساب بقية شرائح المجتمع كافة ، والمحرومة من ابسط متطلبات الحياة من خدمات وغيرها، التي هي من اساسيات الحياة ، اذ يتعين باديء ذي بدء على السلطات التنفيذية التي تسلمت مهمات مسؤولياتها ان توفر (الامن النفسي) محليا وخارجيا ، فمن حق المواطن ان يعيش في أمن ودعة ، لكي يتمكن من ان يمارس دوره في الحياة ، ولكي يعمل على توفير لقمة العيش له ولعياله ..وعلى الدولة مقابل ذلك ، ان توفر له العيش الكريم وتوفير الخدمات الاساسية التي يحتاجها والسكن اللائق به ،بما يتناسب والثروات التي يمتلكها الوطن ،بدلا من ان تكون حكرا على جهة معينة وعدم اقتصار الامر (وحصريا) على أهلهم وذويهم واقاربهم من المتنفذين ، مع عدم تقديم أية مكاسب من شرائح المجتمع الاخرى ،وهي من الصفات الملازمة للفساد الاداري ، والتي يرافقها عادة الابتزاز ومعها مضاعفات كثيرة كالقمع والجريمة والصراعات المختلفة ..
ولعل اجمل مافي الديموقراطية من آفاق ٍومعان ٍ،هو توفير ذلك الأمن الذي يفتقده الجميع ،بالقضاء على الرؤوس المدبرة التي تزرع الرعب والقتل والتفخيخ بغية تحقيق اجندات خارجية ،والتي تمتد كالاخطبوط في كل مكان ،لتمارس دورها التخريبي ،لئلا ينهض هذا المجتمع ،الامر الذي يهدد عروشهم القلقة في المنطقة المحكومة بالحديد والنار..وهذا ماتشهده الساحة العربية ،في حراك غير مسبوق ،والذي اطلق عليه (ربيع الثورات )المطالبة بالاصلاح وبتغيير بعض الوجوه التي تجلس على الكرسي –شاء ام أبى الشعب –وعلى حد تعبير احد رجالات الثورة الفرنسية (نحن قاعدون ههنا ولن نبرح الارض ولوعلى أسنّة الحراب) وهذا ماجرى الان في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها ،بعد ان تعالت الصيحات من قبل شعوبهم بضرورة مغادرة الساحة ،بعد ان ملتهم تمام.
ان تحقيق الأمن البشري ،لدى تجمع ما ،بوسعه ان يؤدي الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية ، هذا مانحتاجه في المرحلة الراهنة ،والعمل على تقليص الاعداد النهائية من المواطنين الذين يعانون من البطالة ،التي تفشت واصبحت ظاهرة خطيرة باتت تهدد المواطن في حياته اليومية والمعاشية ، ولئلا تستغله الفئات المعادية التي لاتريد لهذاالبلد النهوض ،عن طريق اغوائه بالمال،بغية زعزعة النظام القائم والعودة به الى الوراء والى ايام الحروب والاقتتال الطائفي وعن طريق الاغتيالات المتزايدة باجهزة كاتمة للصوت ،اضافة الى التفخيخات والقنابل اللاصقة ،وهكذا يمكن الحديث عن الخطف والسرقات للاطفال والنساء وغيرهم بغية الابتزاز مقابل فدية عالية يجري دفعها تحت الاكراه ،التي غالبا ماتنتهي بالقتل ..واذا كانت بعض الفئات السياسية مازالت مضطربة لاتفكر الا في مصالحها الذاتية حيث تعمل على تأجيج النيران وصب الزيت فوقها ! الذي سينسحب بدوره على فئات الشعب التي تعاني من القلق ومن المستقبل المجهول اضافة الى الحرمان ، حيث يعيش اغلبها تحت خط الفقر ،تترجم ذلك لنا، الاحصاءات التي تعكس لنا واقعا مريرا ،كما هي الحال في الدول الفقيرة ،خصوصا في جنوب افريقيا وجنوب اسيا ،حيث يصل الدخل اليومي للفرد الى اقل من دولار واحد …! من هنا تأتي اهمية (الامن الغذائي)الذي هو هدف اساس يقع على الحكومات المنتخبة ديموقراطيا العمل على توفيره ،بالاضافة الى الأمن الصحي ، واذا كانت تلك الدول تعاني من نقص في مواردها الطبيعية وجفاف الصحارى فيها ، فما بالك في كثرة في الموارد وسوء في التوزيع.
ان الديموقراطية ، هو نظام جميل ،ولكن بحاجة الى من يطبقها بعيدا عن الحساسية في ممارسة النقد وتشخيص الاخطاء للتخلص من المطبات التي تقع فيهاالسلطة الحاكمة ،عن وعي او عن اهمال ،فلم يعد هناك سرا مخفيا ،امام التكنولوجيا المتقدمة التي باستطاعتها رصد كل شيء ..بان تكون هناك عينا اضافية في كل مؤسسة او دائرة او مرفق حيوي ،اذ يكفي بموبايل عادي تسجيل كل الحركات والسكنات ، ولانقول العمل على زرع (كاميرات خفية ) هنا وهناك لغرض المراقبة ، فلم يعد هناك أي فضاء بمأمن من الرقابة ،اضافة الى مواقع النت التي تقوم بالكشف عن الخفايا والمراسلات الدبلوماسية بين الدول ، وهذا الامر يبقى في معزل تام عن ضرورة تطبيق القانون واحكامه ،على الجميع ودون محاباة ،كأن يجري تهريب الاموال التي يقوم بها بعض المنتفعين من المسؤلين والسراق والفرار بجلدهم ،الى الخارج ، الامرالذي يحفز الاخرين على نقد الحكومة نقدا لاذعا ..لان من جوهر الديوقراطية الاساس هو تطبيق العدالة على الجميع من دون تمييز.
التنمية والديموقراطية التي نحتاجها ..؟
اترك تعليقا