التنمية البشرية / الجانب التطبيقي
د.شاكر حسين الخشالي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تناولنا في منشور سابق عن التنمية البشرية جانبها التنظيري , ونتناول في هذا المنشور الجانب التطبيقي فيها , التنمية البشرية مفهوم مضمونه متعلق بذات الفرد , وذات الفرد هي جسمه ونفسه ونشاطهما المادي والفكري , فكل تغيير إلى الأفضل وكل تطوير أو ارتقاء باتجاه التقدم يطرأ على جسم الفرد ونفسه ونشاطهما هو ضمن إطار التنمية البشرية , لكن هذه المعطيات تحتاج إلى بيئة سليمة لتهيئة مناخ مناسب يشجع ويدفع الفرد لتنمية ذاته , فالشعور بالمواطنة النابع من أعماق الفرد يقود إلى الإلزام بالقيم , والتطبيق العادل النزيه لحقوق المواطن من قبل السلطات يشعر الأفراد ويطمئنهم بمستقبل زاهر , والتنعم بالحرية والعدالة الاجتماعية والممارسات الديمقراطية والطمأنينة والرفاهية والأمن بكل أشكاله الذي تؤمنه سياسات الدولة يشيع بيئة الإنبات لنمو النفس المستقرة المنتجة , كما إن السكن الذي يحمي من تقلبات البيئة الطبيعية , والكساء الذي يقي الأجسام من الحر والبرد , والصحة غير المعلولة , والغذاء الصحي الذي يشبع , هذه تبني الجسد وتحافظ على بناءه ونمو ه , وسلامة الجسد نتاجها العقل السليم , والتربية السليمة تقي من الانحراف , والتعليم الهادف يوسع المدارك ويزيد المعرفة , والترفيه والترويح المُسِر والمُبهج للنفس ليوم في الأسبوع على الأقل سينمي نشاط الفكر لدى الفرد , كل هذه العوامل محصلتها تخلق بيئة سليمة محفزة لتنمية الذات , لكن كيف ينمي الفرد ذاته ؟ أولاً وقبل كل شيء يجب أن يمتلك الفرد الثقة بالنفس والعزم على بلوغ الهدف الذي يتمناه , وان يدرك انه إذا طوَّر نفسه يتطور ما حوله , وتطوير الذات هو منهج أو أسلوب لاكتساب وتنمية المهارات والمعلومات والسلوكيات مما يجعل الإنسان يشعر بالرضا والاطمئنان الداخلي , وذلك سيمكنه من التعامل مع مختلف المعوقات لغرض تحقيق أهدافه , فالإنسان يبدأ بناءه النفسي والبدني منذ الولادة , فالأسرة والمدرسة تتبنيان تعليمه , لكن التطور الحقيقي هو الذي ينتجه الفرد من إبداع ذاته عندما يكتسب السلوكيات الإيجابية ويتقن المهارات المفيدة ثم يعززها بتطور ديناميكي مع الوقت , فطبيعة الإنسان يسعى للتفوق ويرغب بالتميُّز ويعتز بشخصيته كفرد , فيقوم بتطوير أفكاره وقدراته ومهاراته والتي قد تكون متوفرة فيه أو مكتسبة بالتنشئة , كقدرات الجسد , وعمق التفكير ونمطه وتنمية مهاراته , ومهارة الحوار والمجادلة والتفاوض وفن الإقناع , والتفاعل والتواصل وأساليب التأثير في الآخرين , وتحليل الشخصية , وفن التحكم بالعواطف والانفعالات وتوجيهها والتأثير في المشاعر , وتنمية الذكاء وكيفية مضاعفته , والاسترخاء وسحر الكلمة ووقعها في مسمع المخاطب , والتخطيط للنشاط الذاتي وتنظيم الوقت واستغلاله بحكمة , وترتيب الأولويات على طريق الأهداف لتحقيق التفوق , وتقييم الثقة بالنفس وتعميقها , والاستمتاع بالحياة , والتفنن بالإبداع , وطرد الحزن والاكتئاب , والتخلص من الخجل والتردد , و زرع التفاؤل في الحياة , إن مهارات التنمية البشرية كثيرة , لكن يبقى أكثرها أهمية هي مهارات التفكير بالأهداف وتحديدها باستخدام المعلومات والخبرات المتيسرة لديك , فإذا نجحت في ذلك ستكون قد اكتسبت مجموعة قدرات أهمها الثقة بالنفس وعدم التردد , و نسيان مصطلح أقدِم أم أحجِم , فأسرار النجاح نجدها في التعاون والتفاعل الذي تحكمه الشخصية الاجتماعية .
مما ورد أعلاه يتضح إن التنمية البشرية هي المرتكز الذي تبنى علية التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية , باعتبار أن العنصر البشري هو الأداة في الثلاثة , فإذا كان كفؤاً ومجداً وعازماً يُكتب للتنمية النجاح والعكس يصح , ولكن نقول أيضاً إن الأنشطة الثلاثة متداخلة باتساق يحقق الهدف الأوسع وهو الازدهار , فالتنمية الاجتماعية هدفها تنمية الفرد والجماعة والمجتمع , فمن جانب الفرد هدفها تنمية طاقاته إلى أقصى حد مستطاع , وإشباع حاجاته الأساسية كإنسان وصولاً به إلى مستوى معيَّن من المعيشة وأسلوب الحياة , وتنمية سلوكه وأخلاقه وعلاقاته وتفاعلاته الاجتماعية , ومن ناحية الفرد والمجتمع سوية تنمية القيم والمعايير والأعراف والقواعد بما يتوافق مع التغيير الثقافي وتنمية عملية التوافق الاجتماعي هذه بشكل عام , , فالتنمية الاجتماعية هي عملية تغيير موجهة تتحقق عن طريقها حاجات الفرد الاجتماعية والروحية وهي عملية تغيير حضاري في طبيعة المجتمعات التقليدية , فمن الناحية التطبيقية تتحقق التنمية الاجتماعية إذا كانت التنمية البشرية ناجحة .
والتنمية الحضارية عملية متعددة الأبعاد , قطبيها الرئيسيين البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي , فلا تحقق التنمية الاجتماعية أهدافها كما يتمناه الطموح ما لم تقترن بالتنمية الاقتصادية , فالأخيرة هي التي تحقق ارتفاع الدخل القومي الحقيقي خلال فترة من الزمن مع معدلاً سريعاً للتوسع الاقتصادي , يقود المجتمع إلى مستويات مرتفعة من الرفاهية الاقتصادية مقارنة مع حالته السابقة , ويتحقق ذلك بعمليات اقتصادية يتمكن المجتمع بموجبها استخدام موارده المتاحة في خلق زيادة مستمرة في الدخل القومي وفي نصيب كل فرد في المتوسط من السلع والخدمات , فتضمن تحسناً مستمراً في وضعية الأفراد وتقلص الفجوة المادية بين فئات المجتمع وتلبي الحاجات الأساسية لهم , المهم في التنمية الاقتصادية هو التخطيط السليم لاستثمار الثروات وليس كثرة توفرها , نتمنى وندعوا الله أن يمن على بلدنا بالعقول والنفوس الخيرة التي تدير مجتمعه واقتصاده وفق هذه النظريات وتستفيد من هكذا اسلوب بالتطبيق ………