التفرد الايقاعي وتتابع الالفاظ الموحية
في(وحيدا سأمضي) .]]
علوان السلمان
========================
النص الشعري.. خلق ابداعي يمازج ما بين الواقع والحلم(الوجه الاخر للشعر)كما يرى هربرت ريد.. يقوم على مستويين فنيين:اولهما.. المستوى الصوتي..وثانيهما المستوى الدلالي.. لتحقيق شعرية مستفزة بصورها التي تجر المستهلك لاستنطاق ما خلفها..
ومع حركة التجديد والحداثة القائمة على التجريب وتجاوز القوالب الجاهزة ابتداء من (عمود الشعر ومرورا بالتفعيلة وانتهاء بقصيدة النثر(النص التهجيني المفتوح على الشعرية والسردية ).. والتي تفردت بإيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية التي تعتمد على تتابع الألفاظ الموحية.. وتكامل الصور ..وهذا ما تميزت به المجموعة الشعرية(وحيدا سامضي) التي نسجت عوالمها النصية انامل منتجها الشاعر منذر يحيي عيسى الشعرية ..وهوينتفض فيها على غبار التقليدية الفراهيدية والتفعيلة السيابية عبر ماهية اللغة الرامزة والايحاء كي يرتقي بالنص الى رؤى وتجليات تركيبية ودلالية.. وقد اسهمت دار المتن في نشرها وانتشارها /2022..كونها تتسم بجملة من السمات الجمالية والتقنية.. حيث اللغة المكثفة والعبارة المختزلة لجملها الخالقة لمشهدية بصرية ابتداء من العلامة السيميائية العنوانية بوصفها بنية نصية لها اشتغالها الدلالي..وبنائها الدرامي بمحمولاتها الثقافية والمعرفية…
في مَقامِ الغِيابِ
أَقْرَأُ كُلَّ ما تَقُوْلُهُ الرِّيحْ…
لكي تَعُوْدَ الرُّوْحُ مِنْ
هِجْرتِها
أَعْصِرُ عامِداً حَواسِّي
لأَشْرَبَها
يَهُلُّ الغَيْثُ فَجْأةً بلا سَحابْ…
فالنص يتحرك وفق منظومة سردية شعرية تعتمد التكثيف والايجاز لخلق نضج تركيبي ودلالي ..اذ يلتقط المنتج(الشاعر) المحسوس وينسج من الجزئيات صوره المتميزة بعمقها المعرفي..والانساني..فيخلق نصا يقوم على تداعيات منثالة…متداخلة ومعطيات النص المتكىء على تقنية الانزياح والايحاء وتوظيف الرمز وصور الطبيعة..
أَهْرُبُ مِنْ ظِلِّي
الذي تَرَكْتُهُ وَحِيْداً في
العَراءِ
أَلْتَجِئُ إلى جِذْعِ شَجَرةٍ
لا ظِلَّ لها
تَتَأَرْجَحُ بَيْنَ الماءِ وبَيْنَ النّارْ
أَتْرُكُ قَلِيْلاً
مَشاعِري في سَكِيْنَةْ
أَرْتَجِفُ مُحاوِلاً النِّسْيانَ
فالمنتج(الشاعر) يتخذ من قصيدة النثر خيارا جماليّا يعتمده بناءً وفضاءً شعريا بمعايير فنية متجاوزة تعكسها الصورة الشعرية التي ينسج عوالمها بوعي يستدعي المستهلك للكشف عن الدلالة النفسية والفكرية والرؤيوية تحت تاثير الموسقة الداخلية ..فضلا عن انه يخاطب الروح الانسانية من خلال استنطاق اللغة واشتغاله على منظومة من العلاقات الاسلوبية والبنائية لتحقيق موسقة تنبع من بنية النص .. لتحقيق فعل الكتابة وتجاوز المالوف بتعبيره عن حالة نفسية مشحونة بشحنة ابداعية واعية..كونها نوع من(ممارسة الحرية)..على حد تعبير سارتر..من جهة.. والكشف عن هم انساني بمخيلة متدفقة تحول الفكرة الى صورة بتشكيلات متميزة حققت غنى النص واكتنازه الشعري..وسياقه الدرامي المستند على تصادم المتناقضات الثنائية (الماء/النار) و(هروب/التجاء)..مع غوص في اعماق الذات لتفجير اللفظ وتشكيل الصور الشعرية التي هي وسيلة الشاعر لانجاز وظائف نفسية وتاثيرية وتخييلية من جهة اخرى..
أَلْقَوْكَ في ظُلْمةِ الجُبِّ
وارْتَحَلُوا
وفي دَمِهِمْ نارٌ
تُوْمِضُ حِقْداً وغَيْرةً…
يَنْشُرُوْنَ دَمَ الأَشْجارِ
رايةً مُخادِعةً
ودَماً كَذِباً
والقَلْبُ المُلَوَّعُ مِنْ مَكْرِهم
خَلْفَ أَحْزانِهِ يَحْتَجِبْ
فالمنتج(الشاعر) يعتمد الرؤية الحداثوية المتجاوزة للقوالب الجاهزة في الشكل الشعري والمضمون النصي(المبنى والمعنى) من اجل تشكيل زمن متنام لا يخضع للتأطير التعاقبي..عبر الحلم الذي هو جوهر العملية الابداعية ومفتاح الرؤية الشعرية واساس الفعل الشعري بتداخل الجمال الفني معه كي يفرز تجريبا شعريا يدغدغ الذاكرة ويسهم في تحريكها..اضافة الى توظيف بعض التقنيات الفنية كتقنية التناص ( أَلْقَوْكَ في ظُلْمةِ الجُبِّ / وارْتَحَلُوا) باعتبارها رؤية معرفية مكتنزة بنيتها بدلالات انسانية وحضارية وفنية متكئة على مرجعيات ثقافية كونها وعي جمعي منتج.. لتحقيق رؤية تراثية تشكل خيط التواصل التاريخي الذي يسهم في اضاءة زمن النص واستدعاء ابعادا جمالية كاشفة عن تجربة شعرية تحتضن الحياة والحركة العضوية بموجوداتها….
لَيْسَ مِنَ الحِكْمةِ
وأَنْتَ في مِحْرابِ الجَمالِ
أَنْ تَتَجاوَزَ طُقُوْسَ العِبادةِ
وأَنْ تَجْعَلَ خَيالَكَ يَسْرَحُ بَعِيْداً
خَلْفَ السَّرابْ…
حاوِلْ أَنْ تَكُوْنَ خاشِعاً
كما في صَلاةٍ
إنَّهُ مِحْرابُ الجَمالْ…
فالمنتج(الشاعر) يبوح بوحا ذاتيا.. دراميا.. متوازنا من خلال الصور المجردة التي صيرت التعبير الشعري تداولي المعنى الذي لايخلو من حس دلالي عن طريق استثمار تقنيات فنية واسلوبية..كالتنقيط الدال على الحذف (المسكوت عنه) والذي يستدعي المستهلك (المتلقي) لملء فراغاته..من اجل توسيع مديات النص والبناء الصوري الجمالي….
وبذلك قدم المنتج (الشاعر) نصوصا تميزت بتدفقها الصوري الشعري المكتنز بخزين من الوجع الوجداني المتسم بالوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالانسان.. والذي ينم عن تجربة محكمة في معانيها وهي تتكيء على المجاز والخيال.. مع امتلاكه خزينه الحدثي الذي يحقق سايكولوجية التواصل الشعري(بوصفه خطابا غنيا بالدلالة) ليحقق الامتاع والاقناع في نصه الجامع بين الموقف الشعري الذي هو امتداد مدروس لمعطيات الزمن.. والايحاء النفسي من خلال توظيفه المفردة المتوهجة ذات الدلالة الجمالية التعبيرية التي تمزج ما بين الحسي والتخييلي..وخلق موقف يطرح فكرا باستمداد شعريته من الذاكرة والمشاهدة التي تحقق رؤية متفاعلة والانا الجمعي الاخر باقترابه من اليومي وتفصيلات الواقع بكل تناقضاته وتواتراته..)
التفرد الايقاعي وتتابع الالفاظ الموحية في(وحيدا سأمضي) .]]
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا