عبد الجبار الحمدي
لابد ان المواطن العراقي وبعد تجربة مريرة خاضها طوال السنين المنصرمة، قد زرعت العقم والثقة في نفسه من كل العناوين الرنانة، تلك التي تغنت بالوطن والولاء للأرض، عبر تكتلات ،أحزاب وتيارات، حركات سياسية خاضت باللبن العراقي الصافي فجعلته غير صالح لشرب الحقيقة مفادها في لا يمكن ان يغير الله شيء حتى نغير ما بأنفسنا, ان الانتماء الحقيقي للعراق مفقود الحلقات، بين الولاءات والانتماءات الحزبية، هذا واقع نراه ملموسا، فالحزب او الكيان او الخ .. هو الدعامة لكل الساسة العراقيين المتواجدين على الساحة من أصحاب المراكز الحكومية .. أما البقية مثل المستقلين أو الوطنيين الحقيقيين مهمشين، أو ينضوون تحت تلك الكتلة او ذاك الحزب, سنين عدة وقف المواطن يطرق باب الواقع العراقي ليفتح له المتغير الجديد بارقة الأمل للمستقبل، او ليدخل عالم الاستحقاق الوطني الحقيقي في نيلها كفرد من أبناء هذه الأرض الغنية والتي يمكن ان تجعل منه مواطن يلبي الواجبات بما انه استوفى حقوقه, لكن وبعد شعوره بالفشل وخيبة الأمل من كل المسميات والشعارات التي حملتها الكتل السياسية والأحزاب في البلد أفقدته التوازن في التمييز والاختيار وهذا بحد ذاته لعبة سياسية أيضا, جعلته يرغب في ضياع حقه والقبول بالقليل منه والعيش في امن وسلام ويلوذ تحت مظلة الأحزاب، التي توزع فتات خيرات العراق على مواطنيه، بفتح صنبور المياه من خلال أصابع تشابكت في لملمة كل خيراته.
المواطن هو النواة الفاعلة، وعليه ان يدرك جيدا ان التغيير ينبع من الذات، التي تحمل الكل في الأنا, بمعنى الأرض والوطن والإنسان، متى أدرك أن حقوقه هل نيل الآخرين بما يطلبه لنفسه هي مفتاح الديمقراطية والعدالة، والتي يمكن أن يغير بعدها الكثير من مفاتيح الأساسية في مفاصل الدولة، واختيار الكفاءة التي تستحق ان تنال هذا المنصب أو ذاك عبر صناديق الاقتراع واستخدام صوته في تغيير الواقع الذي يعيشه أبناء الأرض الواحدة دون انتماءات, وحتى بالانتماءات ولم لا إذا كانت تحمل السمات الوطنية بعيدا عن الو لاءات الذاتية او الخارجية, كما على المواطن الذي يطمح ان يكون مستقبله وافر بكل مستلزمات الحياة البسيطة، ان يبدأ بالبحث عن واجب التغيير في داخله، تاركا المراهنات الجانبية، او المساومات، والجري بعيدا عن شاري الذمم بدراهم معدودات, ان النزاهة التي في داخل العراقي الأصيل، لا يمكن أن تشرى بمال حين يريد التغيير, والتجربة العراقية الفتية، في الانتخابات الحقيقية أثبتت ذلك عبر الانتخابات الماضية لمجالس المحافظات، وابتعاد المواطن العراقي عن انتخاب القوائم الإسلامية والبحث عن البديل بعد ان لملم خيبة أمله وعدم ثقته بها، فهي لم تصنع له شيئا ولم توجد التغيرات التي وعدت بها.
سؤال ؟ هل نحن بحاجة الى وازع داخلي لكي نطلب التغيير، أم ان الوازع ينبع من الذات الحقيقية للإنسان العراقي، وشعوره بالمسئولية اتجاه الجميع كالنفس الواحدة ( الأنا ) والابتعاد في التفكير عن الديانة او الغزل حول الطائفية المكتسبة من الخارج، في قلب الموازين وثقة العراقيين بعضهم ببعض, والانضواء بعيدا عن المحاصصة فهي ليست ورثا لتتقاسمه من سيطرت على القيادات وأصبحت باْسم وصوت الشعب، الأسماء الحاكمة للوطن, كما ان المعاناة والدوامة التي جعلت من الساسة يلعبون لعبتهم وتفشي الفساد الإداري ذي المصالح الذاتية، وبعدها يستصرخون بالقضاء على الفساد الذي زرعوا نبتته وانبتت أرصدة في بنوك خارجية، وحين فاحت رائحتها أرادوا اجتثاثها ولكن أيضا لمجرد الغرض الدعائي والإعلامي وكسب الأصوات والمراهنات, فلم نسمع ان سقط احد المسئولين في الدولة تحت طائلة القانون، وتنفيذ الامر قضائيا بمن نهب وسلب, فالحزب او الكيان او الكتلة هي من تفرش له طريق الهروب بالورود , وقادرة على إيجاد كبش الفداء والبديل الإعلامي، الذي يجعل المواطن ينسى من سرقه وهرب, كما ان عجز الدولة الحقيقي، في انجاز المشاريع الستراتيجية هي العقم الملموس لعدم ولادة الثقة بها من المواطنين، وخير دليل الكهرباء التي مضت على الحكومة تسلم زمام السلطة ولم تتغير، او السير والعمل في تغير شيء فيها, زائدا مشكلة المياه التي تغذي دجلة والفرات وممارسات دول المنبع وتأثيرها على دول المصب، ماهي الخطوات التي اتخذتها الدولة كحكومة مع جيرانها؟ مثل إيران او تركيا او سوريا هل فتحت حوار بناء؟ هل لعب الساسة دورهم الحقيقي؟ ام وقفوا على الأبواب يستجدون قطرات الماء أم ان الأمر لا يهمهم، فهم راحلون، فما هي إلا أيام معدودات ومنها الى الخارج وكيف تسمح الخارجية ومن يمثلها ان تصمت كالأخرس ولا تبالي بالعراقيين؟ اما مسألة الأكراد والعمل على دولتهم المرتقبة هذا يحتاج الى نقاش وجدال أخر, ان السلبيات كثيرة إذا ما قورنت بفتات الايجابيات، وهذا دليل إن المماطلة وجعل معاناة المواطن مكسبا لتمرير الكثير من المسميات بأسماء مشاريع وهمية، قبضت أثمانها مقدما, والطامة الكبرى ان كثير من الساسة يملكون الأدلة على بعضهم البعض, ولكن لم يستخدموها لكشف السراق بل تستخدم ورقة ضغط، او مساومة، لنيل شيء ما، او في بعض الأحيان خوفا من تصفية، وهذا واقع يعلمه كل الساسة والعراقيين, ان حركة مثل حركات الإلهاء والمماطلة هي أحد اللعب السياسية لشل عقل المواطن وجعله يرضى بالبديل والقليل رغم التفكير بالمستقبل والقبول ايضا بمبدأ العدالة التي لم يراها في الزمن الماضي أو الحاضر هي نفسها لم تتغير رغم تغير العناوين .
ان جميع الساسة هم عبارة عن جباة لاستحصال خيرات العراق، إلا ما ندر من الشرفاء الذي تقاسموا المعاناة مع المواطن، وركن بعيدا يتفرج على النزاعات والمساومات كونه لا يمكنه تغيير ما لا يمكن تغيره, اما المستجدات التي جناها الوطن فهي كثيرة منها المهجرين، والمهاجرين الذي باتوا عالة على المجتمع، وشكلت لها وزارات تعمل على إرجاعها إلى موطنها الواحد، في داخل الوطن نفسه نتيجة الإرهاب الحقيقي الداخلي وليس الخارجي, إضافة إلى تفشي مسألة الفساد التي يرقص لها الكثير والثراء السريع على حساب حقوق المواطنة، والمواطن, الى جانب الحالات الكثيرة السلبية التي تشكلت لها عصابات ومجرمين من مرتزقتي العهد الجديد، والصعود الى الدرجات الوظيفية دون الاستحقاق الحقيقي، ولكن عبر القربى والصداقات والو لاءات او كم تدفع لتحصل على منصب، وهذا يشعر به كل فرد عاني البحث عن وظيفة، رغم انه يحمل الشهادة وعامل الكفاءة, ان الشباب الذي تراه ألان يرتاد المقاهي او البحث عن ملذات عبر الستلايت او البلوتوث ودمار عقله، سببه الدولة وعدم الأخذ بيد النواة الفتية وتربيتها بتوفير مستلزمات التقويم الحقيقي لبناء النفس عند كل شاب وفتاة في المجتمع العراقي، وإهمال هذا العنصر المهم، جعل الشباب عامل رفض لكل القيم التي سمع عنها او قرأ فلا يمكن ان تستقطب عقول الشباب، إذا ما تلحفت بتزمت ديني، او انحرفت الى الفساد، وان تعمل على المساواة بين أفراد المجتمع، لأنها حملت بداخلها تضاد تربوي في الحقد على المجتمع، الذي حاصره في خانات ضيقة، يطلب منه فيها الإدلاء برأيه وحرية الحركة, إن استقطاب الشباب كقدرة خلاقة على العمل، إيمانا أن الوطن للجميع وليس ملكا لأحد، هو أساس جذب الكفاءات العراقية، التي هاجرت الى الخارج وضمان حقوقها بعودتها، مع توفير البعد الحقيقي لها أسوة بالمواطن العراقي صاحب الكفاءة، الذي بقى وساهم وشارك في البناء الإنساني رغم المعوقات، حتى لا نخلق فجوة بين الاثنين, فالوطن يجب ان يكون في قلب الجميع، وخدمته إلزاما وواجبا على كل فرد يعيش على أرضه, ان الدعوة بتقديم نداء إلى كل عراقي هي غير واجبة، لان المواطن العراقي هو من يريد ان يستنفر نحو التغيير، ولكن ما هي العوامل التي تجعله يتحرك لتلبية النداء؟ وما هي آلية هذه الوسائل؟ وما هو المراد تغييره؟؟ يجب ان نضع كل الأمور نصب المثقف، والأستاذ، والعالم والطبيب والمهندس، وغيرهم من الكوادر الفاعلة، وقبلها الإنسان البسيط، الذي يشكل القاعدة العريضة وشريحة كبيرة من شرائح المجتمع العراقي، انه هو الصوت الذي يجب ان نعمل على البدء بالإنصات إليه، وتغيير واقعه فابن الهور والريف، هو من دفع ثمن المعاناة مرتين, لجهلة بالمتغيرات وعدم اهتمامه بما يتغير، وذلك بسبب قصور الأداة الداعمة للنهوض وتطوير قدرات التوعية في تلك المناطق، رغم ان الإنسان العراقي، ابن الفطرة وصاحب البديهية والفطنة, ولكن المعوقات والمعوزات كثيرة، وما شعر به من مآسي أحبطت نفسيته, واخذ لا يريد المشاركة او تصديق مثل هذه الفكرة.
وسؤال ماذا يمكن ان تعمل للبدء في التغيير؟؟ هل توجه النداء للمثقف الذي استهجن حقه ولجمت أنامله عن الكتابة؟ وبعد سماعه عن الحرية والتعبير عن الرأي في ظل الديمقراطية ان يعمل على نشر الوعي عبر المؤسسات الاعلامية الحقيقية والمباشرة, ربما اقول نعم… قد نلمس التغيير هنا وهناك، وهذا هو ما نسعى إليه، الإنصات لصوت المثقف الذي لا يحمل ولاء إلا للعراق فقط ويحمل رؤية مستقبلية منفتحة لك الطوائف العراقية دون استثناء، لأنه ينقل معاناة وشكوى المجتمع والواقع، وربما يعكسها على نفسه، في بعض الأحيان، كما أنه مواطن قبل ان يكون مرآة عاكسة او صوت مواطن, المسألة المهمة هي كيف يمكن كسب ثقة المواطن البسيط والمثقف بما نطرحه تحت أي مسمى جديد او قديم؟ وهل تغير الوجوه يعني التغيير؟ ام مجرد واجهات لنفس الانكسارات السابقة ذات الطرق الملتوية.
البعض يطرح فكرة الندوات والحديث مع الناس، وهذا ليس جديد أيضا، فالكثير من الناس حضروا وسمعوا الندوات وحديثها وشاركوا وساهموا بدعم او رفد هنا وهناك ولكن النتيجة لم يتغير شيء, مجرد ألسنة دارت حول نفسها، في مسميات ونوايا تطلب التغيير لكن دون فائدة، لعقمها او لمماطلة في كسب تأييد ضمن المراهنات السياسية، البعض الأخر، يطرح فكرة تعرية أصحاب الفساد عبر الوصول الى وثائق بأدلة دامغة، وإسقاطهم دون الحصانات الدبلوماسية، او البرلمانية، وكشفهم للرأي العام، والقضاء دون محاباة أو مساومات, او استخدامها كورقة ضغط ليوم ما، والبعض يطرح العمل بجدية دون أنانية، الى استخدام معاناة الناس والتقصير من قبل مفاصل الدولة وقياديها وطرحها كفشل، لم تجني الدولة منه سوى الكسب السياسي، والضحايا هم المواطنين الأبرياء .
البعض الأخر يطرح ان تكون النهضة العمرانية عراقية، غير خارجية فلدينا من الأثرياء ورجال الأعمال، ما يمكن ان يعمروا بلدان عديدة كالعراق، فيما إذا تحركت وطنيتهم، وهذا ما حصل من البعض بعد ان صدمهم الواقع والفساد العام، والكثير من الناس تطرح فكرة الضغط على الحكومة، بعدم المشاركة في الانتخابات، والإدلاء بأصواتهم، ظنا أنهم سيحصلون على التغيير، ولكن يجب إفهامهم ان التغيير بأيديهم وبأصواتهم، أما آلية العمل وهي الأساس، بداية كسب ثقة المواطن، حتى يتسنى ان تعمل الأيدي كلها متظافرة من أجل الجميع، ولكن هل بالإمكان ذلك ؟؟؟؟
إن الاستدلال الحقيقي للتغير، هو نابع عن المواطن نفسه، وآلة التغيير هي قابليته للتغير مع متغيرات الوضع العام، لا للمصلحة الفردية، ومتى تبلورت هذه الفكرة وتأصلت بداخله، وعمل عليها مع الآخرين، أمكننا ان ننهض في بناء المجتمع، ومن ثم الوطن ونحظى بالتقدم الدولي، كما علينا جعل مصلحة الأرض والوطن، هي فوق مصلحة الجميع، والقانون هو صمام الأمان لهذه المصلحة، والسيادة هي الرداء الحقيقي، الذي يمكنه الاحتفاظ بهيبة الوطن وديمومة رفاهية المواطن، في ظل ديمقراطية حقيقية يستظل الجميع تحت سماء واحدة وارض واحدة .