التطور الفكري.. والإنسان العاقل
محمد جواد الميالي
خمسة سنوات كانت كافية لداروين لرحلته في أنحاء الأرض، لتقدم بعدها نظرية تقسم العالم إلى صنفين، أحدهما يؤمن بأصل الأنواع، وأنها جائت حسب إنتقاء الطبيعة للأفضل، والآخر يخالف هذه الأطروحة، ويؤمن بأن لكل نوع زوجين إثنين، تبلور هذا الصراع وأنتج ما يعرف بنظرية التطور أو الداروينية.
لذلك أتخذ علماء العصر الحديث “الماديون” من أصل الإنسان قبل ملايين السنين، سبباً للخلاف فيما بينهم، لكن أغلبهم أتفق على نقطتين، الأولى رأي المسلمين أن الأنسان جاء من أبوين إثنين.. آدم وحواء، والثاني أن أصله حيوان لكنه ناطق، يمتاز بدماغ أسفنجي جامع للمعلومات قابل للتطور، لذلك كان الإنسان النيادرتال، الذي يسكن أوروبا والشرق الأوسط، يتميز بضخامة جسمه وعضلاته المفتولة، لأنه يعتمد عليهما بالصيد وجمع الطعام، أما عقله فلا يتخطى حاجز الشهوة والبحث عن الطعام، فكانت طاقة الجسم كلها تذهب للإيعازات الحركية فقط.
مع بدأ عصر النار، أصبحت عضلات البشر وأحجامهم تتقلص، لأن الطاقة بدأت تتحول إلى الدماغ الذي يستنفذ ٢٥% من قدرة الجسم، مما أوجد نظرية الإنسان العاقل.. الذي يعتبر هو الإنتقاء الطبيعي للجنس البشري، لكن يبقى السؤال المحير، هل كل البشر اليوم يستخدمون أدمغتهم في غير حاجز الشهوة؟ ومن ما زال منا مصراً على أستخدام العضلات فقط؟
ما يحدث اليوم في دول العالم الثالث، ومنها بلدنا العراق، يثبت أن هناك نماذج موجودة خارج قاعدة الإنتقاء الطبيعي، ومازال الدماغ لديهم مجرد أثر لا فائدة له، متخلفين لا يفقهون معنى أن يكون للشخص وعي يقوده إلى ما هو جيد، لا يميزون بين الصواب والخطأ، يعيشون من أجل أرضاء شهواتهم فقط، هؤلاء لهم فائدة واحدة، أنهم توابع من الدرجة الأولى! سرعان ما ينتمون إلى أي شخص يقدس أفعالهم المتخلفة، ليجعلوا منه قائداً لهم، غالباً مايكون القائد يشبههم، لكنه يتميز بأن لديه قدرة على قيادتهم، وبالتالي الصفات تتشابه بينهم وبين الإنسان النيادرتال، فكلا الطرفين لا يعرفون سوى منطق القوة والقتل.
يتكاثر هؤلاء في المجتمعات ذات البيئة التي تتوافر فيها عوامل الفقر، الجهل، التشدد الديني و الحرية غير المقيدة، وكلما زاد عددهم في البلاد، كلما أصبح النظام الديمقراطي لا يناسبهم، لأن كثرتهم لا تلائم سوى الأنظمة الدكتاتورية، أما في حال أنظمة الأنتخاب فهي تجعل الفئة الجاهله تحدد مصير الشعوب سياسياً، ولك أن تتخيل أن مقاليد الحكم في البلدان، تصبح بيد مجموعة شهوانية متعطشة للقتال!
هذا فعلياً ينطبق على ما يحدث اليوم.. لتتضح لنا الصورة ونعرف أن قانون الإنتخابات الأخير، قد حول التجربة الديمقراطية إلى حكم الأغلبية “الساذجة” ليس هذا فقط وإنما كل من يختلف مع غيره داخل قبة البرلمان، يستخدم جمهوره الأعمى كورقة قوية في حرق الشارع وقلب الموازين..
إذا نحتاج إلى علاج مشكلتنا الحقيقة من أساس جذورها، وعلى الحكومة القادمة أن تعي أن أبرز تحدياتها، هو الجمهور التبعي الذي لا يحتاج سوى إلى فرصة عمل، ليستطيع أن يخرج من صندوقه الأسود، ويترك لغة العضلات ويستخدم دماغه ليرتقي حينها إلى أن يكون.. إنساناً عاقلا.