البيشمركة .. سموالاخلاق و رقة القلب
جواد كاظم الملكشاهي
المتصفح لتاريخ الشعب الكوردي والثورات التي اندلعت على ارض كوردستان المعطاء ، للخلاص من العبودية والاستبداد ،يصل الى تلك الحقيقة الدامغة ان هذا الشعب الشجاع والمسالم ، لم ولن يشن حربا او تجاوزا على اراض الشعوب التي تتعايش بجواره او معه في اطار دولة واحدة خلال تاريخه الملئبالبطولات والمفاخر ، بل كان دوما يدافع عن وجوده كشعب حي ويناضل من اجل الحرية والخلاص منالاستبداد والقهروالاضطهاد التي تعرض لهما على مرالدهر والزمان. في جميع الحروب المفروضة على شعبنا وثوراته القديمة والحديثة من اجل نيل حقوقه ، كان القادة الكورد بمثابة معلمي اخلاق قبل ان يكونوا قادة عسكريين لقواتهم للالتزام بالجانب الانساني ، والامرالاخرهوان جل هؤلاء القادة العظام كانوايسعون دائما تجنب وقوع الحروب وحل القضايا والخلافات بشكل سلمي وعدم اتخاذ الاقتتال كوسيلة وحيدة للنيل من الطرف الاخر. كثيرا سمعنا عن الحالات العاطفيةوالشعورالانساني العالي والضميرالحي اثناء الحروب ، و شاهدنا العديد من الافلام السينمائيةوالمسلسلات التلفزيونية التي تجسد مشاهد وصوررائعة من الاخلاق حين القتال بين الجيوش والاطراف المتقاتلة ، ولكن عند المقاتل الكوردي ( البيشمركة )الحالة تختلف تماما. البارزاني الخالد رمزالحركة التحررية الكوردية كان يعتقد بل يؤمن ايمانا راسخا بان الحوار والتفاهم والسلام هوالسبيل الوحيد لديمومة الحياة والتعايش الاخوي مع الشعوب التي قدر للكورد التعايش معهاعلى هذه الارض ، ولهذا كان خيارالحرب لديه اخرالخيارات ، طالما بقى بصيص من الامل او فرصة اخيرة لتجنب القتال وحل القضايا عبرالحواروالتفاوض ، ولذلك كان جادا بالتحاور والتفاوض الى اللحظات الاخيرة ، كي لايعرض شعبه والطرف الاخر للأقتتال والحرب المدمرة التي تحرق الاخضرواليابس ووالتي تخلف وراءها القتل والدمارللأنسانية. خلال سني الكفاح المسلح للشعب الكوردي من اجل نيل حقوقه المشروعة والعادلة عبرالثوراتوالانتفاضات المختلفة في اجزاء كوردستان الاربعة ، كانت ولازالت القيادات الكوردية بأجمعها وخاصة البارزاني الخالد تؤكد دوما على اللألتزام بالاخلاقالعالية والقيم الراقية والمبادئ الانسانية اثناء الحرب وخاصة في التعامل مع الاسرى ، رافضين الوجه المدمروالمقزز للحرب المتمثل بمبدأ الانتقام والحقد والكراهية. احدى تلك الصورالرائعة لتلك المبادئ الانسانية تجسدت اثناء انتفاضة الشعب الكوردي في ربيع عام 1991 عندما انتفض الشعب بوجه النظام الدكتاتوري الصدامي المجرم الذي ارتكب جرائم الابادة البشرية ضد ابناء شعبنا من الانفالات واستخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية المحرمةدوليا فضلا عن حرق 4500 قرية فضلا عن المزارع وردم عيون المياه بالكونكريت واتباع سياسة الارض المحروقة بكل اساليبها واشكالها البشعة واللاانسانية كي يقضي تماما على عناصر الحياة في كوردستان. في تلك الانتفاضة وقع المئات من جنود وضباط الجيش العراقي اسرى بيد قوات البيشمركة البطلة والشعب المنتقض ولكنهم عوملوا معاملة انسانية قل نظيرها في تاريخ الحروب ، وبسبب الاوضاع الطارئة انذاك وعدم وجود معسكرات خاصة بالاسرى ، وزع الجنود والضباط الاسرى بين احياء المناطق السكنية في كل مدن وقصبات كوردستان ، حيث كان الاهالي يقتسمون معهم لقمة العيش التي كانوا يحصلون عليها بصعوبة بالغة ويفترشون لهم بيوتهم ومضايفهم ليلا وحراستهم من قبل قوات البيشمركة للحفاظ على سلامتهم عملا بالمبادئ الانسانية التي ورثوها من اجدادهم وقياداتهم العظام. قبل ايام واثناءهجوم قوات البيشمركة على مواضع الدواعش في قرى جنوب كركوك لتحريرها من براثن الدواعش المجرمين ، حدثت حالة انسانية اخرى قل نظيرها عُرضت من خلال شاشات التلفازعندما قتل عدد من الدواعش كان احدهم يحمل رشاشتين ورمانتين يدويتين مصابا مرميا على الارض ولكنه لازال حيا يحرك اطرافه ويديه طالبا المساعدة ، حيث هرع اليه المقدم المتقاعد البيشمركة بيستون كلورانيوالذي حمل السلاح ثانية عندما تعرضت ارض كوردستان لهجمات الدواعش كي يدافع عن ارضه وشعبه رغم انه احيل على التقاعد قبل سنوات ، حيث اقترب هذا البطل من المصاب وهو يكلمه بلطف، كأنه يتكلم مع احد مقاتلي البيشمركة المصابين ، هذا البطل الرؤوف اخرج زمزمية مائه وقدم مالديه من ماء ليرتوي الداعشي كي لايموت عطشانا ، كماطلب المصاب ان يقيه من حرارة الشمس اللاهبة وهو يتلفض انفاسه الاخيرة اذ قام المقاتل بيستون بمسك جفيته فوق راس الداعشي كي لاتؤذيه حرارة الشمس وهو يفارق الحياة ، وذلك اراحة لضميره الحي حتى مع اشرس عدو لايفقه الرحمة والرأفة ويفهم للانسانية معنى ، وكأنما يعالج احد رفاقه و ليس عدوا كان يقاتله قبل بضع دقائق وكان يردد باكيا من خلال المشهد التلفزيوني ، للاسف لم يكن باستطاعتي ان انقذ حياته ، وكأنه قرأ في ملامح وجهه وكأنه يقول بأنني غُرِّرَ بي . نعم هذه مدرسة الكوردايه تي وهؤلاء تلاميذها وهذا نهج البارزاني الخالد وهؤلاء هم السائرون على نهجه ، تحية والف تحية للبيشمركة البطل بيستون وكل المقاتلين الشجعان المرابضين على خطوط ا لنارفي جبهات الحق، الذين قدموا دروسا في التضحية وا لفداء والاخلاق العالية.
مقال جواد كاظم الملكشاهي