الكثير من أنظمة المشرق ، والشرق الأوسط عموما ، تعجز او لاترغب بحكم طبيعتها الدكتاتورية والشوفينية ، في إيجاد الحلول لقضايا القوميات المضطهدة المحرومة ، حتى تستخدمها ذريعة لاثارة الفتنة على أسس عنصرية ، ومن ثم الإبقاء على الاحكام العرفية ، على حساب الحريات العامة ، والتطور الديموقراطي ، وتثبيت حكم العسكر والمخابرات ، تحت حجة الدفاع عن الامن القومي المهدد ، والحفاظ على وحدة البلاد من الانفصاليين !! وكما يبدو فان الظاهرة لاتقتصر على بلدان المشرق فحسب بل ، تفعل فعلها في بلدان الشمال الافريقي أيضا .
وعندما تصل أصوات تلك الشعوب المطالبة بالتضامن معها الى مسامع المجتمع الدولي ، والقوى الديموقراطية ، ومنظمات حقوق الانسان ، وعندما تستجيب اطراف دولية ، وتبدي العطف تجاه محنة تلك الشعوب ماتلبث السلطات الحاكمة الدكتاتورية الظالمة ان تتهم حركات تلك الشعوب بالخيانة ، والانفصالية ، وتوجه أصابع الاتهام الى أي طرف متعاطف بالتدخل في الشؤون الداخلية ، وخرق القانون الدولي ، والأعراف الدبلوماسية .
لم يكن النظامان الحاكمان في البلدين بحاجة الى سبب جديد لتسعير خلافاتهما المتأصلة بالأساس منذ عقود ، حتى تضاف مادة جديدة للقضايا الخلافية المتراكمة بين البلدين ، عندما قام مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة بتوزيع وثيقة رسمية باسم دولته معززة بالقرائن تعلم فيها جميع الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية عن معاناة الشعب القبائلي ” الامازيغي ” بالجزائر من الاضطهاد ، والحرمان من الحقوق ، داعية الى نصرة هذا الشعب لانتزاع حقه في تقرير المصير ، وقد حظيت الخطوة الدبلوماسية هذه بالاهتمام الكبير ، ومازالت تتفاعل بين أوساط المهتمين بقضايا الشعوب ، ومسائل حقوق الانسان ، ولذلك كان وقعها شديدا ، ومفاجئا ، بل صادما ، للنظام الجزائري ، والرئيس المنتخب حديثا ، وحكومته الجديدة .
الامازيغ في شمال افريقيا
يعتبر الامازيغ من أقدم شعوب المنطقة ، ومن سكانها الأصليين قبل الفتوحات الإسلامية ، وتوزعوا بين الدول التي استقلت مثل المغرب ، الجزائر ، ليبيا ، تونس ، مصر ، وحرموا بذلك من تقرير مصيرهم ، وانشاء دولتهم المستقلة الخاصة بهم ، بل قاموا بالدور البارز في معارك التحرر الوطني ، والاستقلال ، في جميع تلك الدول ، وبرز من بينهم شخصيات شهيرة في الفروسية والشجاعة ، والعلوم ، لعبت أدوارا في المراحل التاريخية الساحقة ، وقد تعرضت حقائق تاريخ هذا الشعب الى التزييف ، والتعتيم من جانب أوساط حاكمة شوفينية بتلك البلدان بعد مرحلة الاستقلال .
لقد شاركت شخصيا في مناسبات حول الامازيغ وكان من ابرزها المؤتمر الذي دعت اليه المؤسسة الامازيغية الثقافية المعروفة بالمغرب ” مركز الذاكرة المشتركة من اجل الديموقراطية والسلم ” الذي يديرها المفكر الامازيغي المغربي الصديق – عبد السلام بو طيب – وكنت مكلفا بتقديم ورقة حول القضية الكردية ، ومقارنتها بالقضية الامازيغية ، وتعرفت هناك على مؤرخين ، وعلماء ، ودعاة حقوق الانسان ، واكاديميين أمازيغ ، وبمشاركة مثقفين وناشطين سياسيين من معظم البلدان العربية ، وكذلك من تركيا ، وتكلم بالمؤتمر مندوبا عن الملك المغربي .
معظم ان لم يكن كل الأوراق والمداخلات ، التي قدمت من جانب المؤرخين ، والاكاديميين الامازيغ أجمعت على أن نسبة هذا الشعب بكل تفرعاته تربو على ٦٠٪ في المغرب و اكثر من ٥٠٪ بالجزائر ، ونسب اقل في ليبيا ، وتونس ، ومصر ، وقد لاحظت وجود تيارين سياسيين بمنتهى العقلانية في الوسط الثقافي الامازيغي المشارك يتفقان على العموميات ، ويختلفان حول الاجتهادات السياسية . واحد يرى بالحقوق المعترفة بها رسميا تلبية لارادة الغالبية ، وآخر يرى تلك المكتسبات هامة جدا ولكنها غير كافية الا بالارتقاء الى تحقيق إرادة الامازيغ عبر الاستفتاء ليقرر مصيره بحرية .
أحوال الامازيغ في بلدان الشمال الافريقي
كان المغرب سباقا في الاعتراف الدستوري ، والقانوني ، بالامازيغ كمكون قومي ، وبثقافته ، وادراج لغته كلغة رسمية ، ولهم الان مدارس بلغتهم الام ، ومديريات بكافة انحاء البلاد تشرف على تطوير ثقافتهم ، وهناك صحف يومية ، ومجلات ، تصدر بلغتهم القومية ، وقد لاحظت خلال انتقالي بالسيارة من مطار الدار البيضاء ، الى مكان المؤتمر بالشمال الذي يبعد نحو ماءة وخمسين كيلومتر ، وجود يافطات واشارات مرور باللغتين العربية والامازيغية ، على طول الطريق السريع .
في الجزائر يختلف الوضع كليا ، وهناك موقف صارم من – العروبيين المتشددين – ضد حقوق الامازيغ من السلطات الحاكمة ( الجيش و المخابرات والحكومات التي تتعين وأصحاب المصالح ) الى درجة ان الجيش منع رفع العلم الامازيغي الى جانب الجزائري خلال المسيرات الاحتجاجية ضد نظام بوتفليقة والتي شارك فيها الامازيغ بقوة ، بل ان المخابرات أقدمت على اعتقال العشرات من النشطاء الشباب الامازيغ وزجت بهم بالسجون بتهمتين : القيام بتظاهر غير قانوني ، ورفع علم اجنبي !! ممنوع ، ومازال هناك معتقلون لم يطلق سراحهم .
الجناح العروبي المتشدد بالجزائر والذي يشبه بتركيبته الأيديولوجية حزب البعث بسوريا والعراق ، نشط ونما في ظل رئاسة – هواري بو مدين – الذي لم يتورع بالتدخل بشؤون العراق ، والتآمر على شعب كردستان ، عبر توسطه بين صدام حسين وشاه ايران عام ١٩٧٥ ، وابرام اتفاقية الجزائر السيئة الصيت التي أودت بالثورة الكردية ، وبالسيادة العراقية على جزء من شط العرب لمصلحة ايران ، وكان الأهم للعقلية الشوفينية الحاقدة التخلص من الكرد .
مايقال ويتردد عن دعم الجزائر لحق تقرير مصير شعب – الصحراء الغربية بقيادة منظمة البوليساريو ، ليس دقيقا فالصحراوييون بالساقية الحمراء ووادي الذهب هم مغاربة وغالبيتهم الساحقة من العرب ، وليسوا شعبا آخر متميزا تاريخيا وثقافيا ، مثل الامازيغ ، والسلطات الجزائرية تلعب بتلك الورقة وتستخدمها لمآربها الخاصة ، ومن اجل غض النظر عن ازماتها ، ومشاكلها الداخلية كسلطة دكتاتورية ، يقودها الجيش والجنرالات من وراء الستار ، وبالمناسبة علاقات السلطات الجزائرية قائمة ومتطورة مع نظام الاستبداد ببلادنا ، بل ان تلك السلطات تضايق على كل سوري مقيم بالجزائ يعادي نظام الأسد .
الامازيغ في صراع نظامي المغرب والجزائر
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا