الاغتراب وإشكاليات الثقافة العراقية الراهنة
من كتابي الفكري النقدي الأجتماعي(الاعتقاد والعقل الجمعي )
قبل الدخول إلى إشكالية الثقافة علينا أن نحدد الثقافة والمنتمين إليها، وهل ظلت هذه الثقافة ضمن أزمة ثقافة النخبة أو النخبة الثقافية ،فلو ننطلق من مفهوم الثقافة كما تستعمل في الأنثروبولوجيا ، حيث نجد أن الثقافة هي مجموع الرموز التي تعكس الحياة الجماعية انعكاسا مباشرا، بهذا يكون كل فرد في المجتمع حامل ثقافة رغم من وجود أفراد متخصصين كالشاعر أو القصاص أو الطبيب ، أي أن الثقافة في هذه الحالة عضوية لأن بنيتها مطابقة لبنية المجتمع ومعطيات الإنسان بمواجهة، ما تأصل من قيم توارثت وتفرعت جذورها داخل المجتمع ،لا تجد صعوبة في الأيمان الفطري بها ،و احترامها خصوصا حين تجتاح المجتمع موجات متعاقبة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية ،حيث يجد الإنسان نفسه تحت طائلة ضغط نفسي هائل في مواجهة متطلبات الحياة الطاحنة، يملؤه القلق تجاه المتوارث وتصرخ كل ذاته بهواجسها، ويطرح السؤال المتوقع في مواجهة الإنسان مشروع االأغتراب
وهذا التدهور والتخلف الذي يجتاح المجتمع …هل سببه هذا الكم القيمي المتوارث بألا تجاه صوب الغرب المتقدم مسؤولية التامة عن هذا التدهور والاغتراب ،ولهذا نجد المثقف أما يعيش عزلة لا ساحة له تدعمه في مشروعه الثقافي، أي تصبح الثقافة عبأ علية حين يقدم مشروعه من الأدب والفن في مختلف مجالاته، أو منتمي إلى ضفة السلطة وهذا ما يجعل المثقف في الحالتين هو في عزلة عن المجتمع ،لأن الأول هو نفسه يعيش العزلة والثاني يعيش آدلجة السلطة التي ليس بالضرورة أن تعبر عن تطلعات هذا المجتمع ، وهذا ما يجعل المثقف في الحالتين بعيدا عن تطلعات المجتمع الحقيقة ، و الاقتراب من هذه التطلعات وهذا يسحبنا إلى ضفة أخرى أي أننا نجد المثقف الذي يتملك التأثير في خلق سياقات متقاربة إلى صيغ تطلعات المجتمع ،الذي ينتمي إليه من أجل أحداث الأثر الحضاري في تقدم القيم والفكر اتجاه مشروعية حياة الإنسان الحضارية، في اعتبار الإنسان هو أعلى قيمه في الفكر والتنظير، ولكن نجد هذا المشروع معزول وهكذا نجد أن عملية الاغتراب تبدأ داخله أمام واقع المجتمع المتردي وتتضح ملامحها بالتطرف والتذمر والاضطراب في مواجهة المجتمع لا صدى له، فبعد أن خرجنا من نظام شمولي الذي كان يقنن كل التوجهات الثقافية إلى توجهاته، التي تعمق نشر أيديولوجيته التي تعبئ الجماهير إلى مشاريعه ، وكل من يكون خارج هذا هو عدوا إلى هذا النظام لذلك نجد كثير من المثقفين على المستوى الأدبي أو الفني هاجروا فرارا من هذا النظام لخوفهم من السقوط في تعليلات هذا النظام ،باعتبارهم العدو إليه وما يجري هذا تعرضهم إلى قمعه بطرق شتى من تصفيتهم، أو زجهم في السجون لهذا نجد كثير منهم أما سلكك طريق الهجر أو صمت بدافع الحفاظ على حياته وحياة عائلته ،وبالطبع هذا أفرغ الساحة الاجتماعية من كل إرهاصات الفكر الجاد الملتزم بقضايا الوطن ،خارج نطاق أدلجة النظام فبقى المتوارث يمتد في كل هواجس الفرد ضمن هذا المجتمع ، فيعتنق المتوارث بشكل كامل والتخلي عن كل دافع وأسباب التطور أو عدم الوثوق به، حيث نجد كثير من الإفراد المجتمع يختار الحياة السلفية الجامدة، ويصنع لنفسه مجتمعا يطابق المجتمعات الأولى في الإسلام، حتى في أبسط صوره كطريقة الملبس والمأكل ولا يفهم غير ذلك الطريق منهجا لمسيرة الحياة ،ويصير الإنسان غريبا رافضا لكل الأفكار الأخرى..والبديهي هنا أن هذا النوع أخطر أنواع الاغتراب تجاه المتوارث على الإطلاق ،وهذا بالطبع يؤدي إلى الفهم الساذج والسطحي للقيم المتوارثة والإساءة والأذى بالمعاني النبيلة، والتي تحملها تلك القيم بتطبيق جامد والمهتز لها..
وكذلك نجد أن هناك قوى تتظاهر بمسايرة المفاهيم والقيم ،التي تحكم المجتمع وتطويعها للأغراض والأطماع الفردية وخلق دوافع القفز فوق الواقع داخل النفس البشرية، واستغلال هذا الواقع بكل ما يتاح من خلال تغطية شرعية لأعمال غير شرعية … وهذه الخيارات ما تعمق دوافع الاغتراب ، ونجد أن هذه الخيارات تعمق مقتضيات التطرف عند الإنسان والتي تنتهي بالمواجهة مع المجتمع، والتي بدورها تنتهي بالاضطراب كنتيجة لهذا الاغتراب يعمق الفجوة بين الفرد والمستغل، وبين مجتمعة حيث ما لاحظناه حدوث من عمليات نهب وسلب وبشكل واسع في جميع المؤسسات الحكومية والغير حكومية ونعلم أن هذا حدث بعد سقوط النظام القمعي
حيث نلاحظ أن الاغتراب قد زاد وهو يكون كمحصلة للانقطاع عن التراث والتعلق بالجوانب الشكلية والسطحية فيه ، فبعد أن سقوط النظام كانت الساحة الاجتماعية الفكرية فارغة من الفكر الذي يعبأ الإنسان بالطموح المشروع اتجاه تحقيق المشروع الحضاري الوطني في الديمقراطية بقدر ساحة الوطن ،نجد أن هذا المشروع يستغل من قبل قوى تستغل الأثينية من جميع المذاهب الدينية مستغلة لمشروع الاختلاف ، من أجل تحقيق مصالحها السياسية لسهولة هذا المشروع لفراغ الساحة الاجتماعية من الفكر الوطني الحقيقي، الذي يعتبر الوطن هو أساس فكرها وتنظيرها بسبب ما مر به الوطن في النظام الشمولي ،حيث حارب كل القوى الوطنية وفكرها ،فلم يبق في الشارع الاجتماعي وهذا ما دعا العقل الجمعي إلى النزوع إلى التعاطي الفطري مع مختلف القضايا، حيث استطاعت قوى التأثير بالوعي الجماعي وإعادة تشكيلة فوق تحقيق مصالح هذه القوى وبشكل واسع فلو نظرنا إلى الثقافة على أنها تجليات الفعل الإنسانية وأصدقها إلا أن إنتاج الثقافة في العراق، تم اختراقها وتوجيهها القوى المتسلطة في المجتمع سواء كانت ديمقراطيه أو دكتاتورية، بالرغم من وجود فارق كبير في دهاء هذه التوجيهات وممارستها ، لهذا نرى أن هذه القوى اعتمدت بتوجيه الثقافة على الاختلاف الأثيني وبالطبع التأثير على العقل الجمعي يمكن أن نجد كيفية بناء التأثير وحسب منظرو مدرسة فرانكفورت( أمثال هربرت ماركوز ووالتربنيامين ماكس هوركهايمر )حيث تشكل وسائل الإعلام تنير ما تريد للناس أن يروه وتتجاهل أو تشوش على ما تريد إخفاءه ،وهنا يبرز دور المثقف الموضوعي الوطني الذي يسعى إلى بناء ثقافة وطنيه ديمقراطيه .
وبالطبع لا ننسى الوصفية البنيوية إلى الذهن العراقي وثقافاته المرتبطة بالموروث السائد ذات بني دينيه وهذا ما أكده ادونيس في كتابه الثابت والمتحول، حيث أكد أن ثقافة العربي ثقافة اتباعية لا تؤكد الأتباع وحسب وإنما ترفض الإبداع وتدينه، أي يصبح الموروث السائد في أغلب أفراد المجتمع وهذا بالطبع ما يعمق غربة المثقف وحتى الأفراد الذين لا يمتلكون خط ثقافي واضح في تفسير الأشياء الوصول إلى الحقيقة الموضوعية ، يخضعون كذلك إلى الموروث بشكل سلبي حيث يخضعون إلى رؤية أحادية مغلقة ،حيث تتعامل مع الأحكام الشريعة أنها أحكام قطعية أو تعاليم نهائية حيث ينظرون إلى الآخرين أنهم مرتدين ولا يعترفون بهم وهذا ما لاحظناه ،أن يتحول هذا الفرد إلى دولة منعزلة..تمتلك علما ونشيدا وبرلمانا وسلاح للدفاع عن هذه الدولة ،وقد حدث هذا في الوطن من تكون مليشيات وقوى إرهابية وقد حدث هذا بعد فشل الدولة في أن تكفل الأمن والمعيشة الكريمة بسبب ضعف الدولة هذا حدث بعد سقوط النظام الشمولي ،حيث ينفصل الفرد عن المجتمع ويلتفت الفرد إلى المنفعة الذاتية ويعيش لنفسه وطموحاته الخارجة على القيم السائدة في المجتمع، حيث يسعى إلى صنع قيم اجتماعية خاصة لذاته ،وكما أكد عليه بول ريكو في كتابه بعد طول التأمل في مسألة الأخلاقية الدينية، والتي تتمحور حول مفهوم الإثم قد تحولت المسألة ما يشبه الفوبيا الجماعية حيث اختزلت القيم السامة وتحولت إلى طقوسية حسويه، عبثت بخزان الأسئلة الأنطولوجيه القابعة في أعماق الإنسان ، أي يكون الاغتراب كمحصلة للانقطاع عن التراث الاجتماعي والثقافي والتعلق بالجوانب الشكلية والسطحية فيه، وبهذا يصبح الواقع بكل أثقاله دافعا ليتحول الشباب إلى حالة قابلة إلى الانفجار بكل ردود أفعال سلوكية تحمل اللامعقول في منحنيات اللاوعي داخل عقله
بهذا نلاحظ ما حدث في الوطن من اغتراب للمثقف أو الحامل إلى الثقافة أمام واقع المجتمع المتردي، حيث تتضح ملامح هذا الاغتراب من خلال التطرف والتذمر والاضطرابات التي حدثت في مجتمعنا وبالطبع هذا يقود المثقف إلى مسؤولية كبيرة في دوره الحضاري والثقافي .
والقوى السياسية التي تتظاهر بمسايرة المفاهيم والقيم التي تحكم المجتمع وتطويعها لإغراض والإطماع الفردية ،وخلق دوافع القفز فوق الواقع داخل النفس البشرية واستغلال هذا الواقع بكل ما يتاح من خلال تغطية شرعية لإعمال لغير شرعية مؤيده إلى مجموعات التي تحاول فرض أنماط من السلوك العام والخاص على الجماهير العريضة لتؤدي أدوارها من خلال هذه أنماط والتي لاستطيع الشعور العام تجاوزها ..كل هذا فقط من أجل تحقيق مصالحها
ويجب علينا أن نناقش الإشكالية أو الأزمة، وكيفية الخروج منها حيث ندرك أن المثقف يعيش في عزلة واغتراب والاغتراب بمجمله من أعقد ،وأبرز الإشكاليات التي تعوق تنمية الثقافة الوطنية وأسس البناء الحضاري لمجتمعنا ، وتستوجب دراستها كظاهرة التي تعوق حركة التاريخ الوطني، حيث نحن نعرف دور العراق التاريخي وإعادة هذا الدور داخل بوتقة انصهار الحضارة الإنسانية بإعادته بثقله الكامل يتوسط جيوبولتيكيا* ،فهو من الأوائل المجتمعات التي أثرت في المسيرة الحضارية والاغتراب كقضية تعتبر من أخطر قضايانا المعاصرة في الوطن
والاغتراب كقضية يعيشها المثقف اتجاه فقدانه لحريته، والمشاركة الفاعلة والمؤثرة في قضاياه الحيوية والحياتية وحيث أن ما يحدث في الوطن من فشل المجتمع في أن يكفل الأمن والانتماء ،لأنه يشعر في داخله بالمطاردة والعزلة والشعور بالظلم السحق وهذا ما يزيد من موجات الانفصال عن المجتمع وقيمه ، وينسحب هذا حتى على الفرد العادي غير المنتمي إلى أي جهة سياسية، ومن أجل أحداث التمرد هذه القوى وتحقيق السلطة الثقافية الوطنية مستغلين كافة الوسائل الثقافية السمعية والمرئية والمسرحية، بعيدا إرهاصات القوى الطائفية وادعاءاتها المبنية على أساس ديني واعتقادي وطائفي وعرقي لكي يرجع الوطن إلى دورة التاريخي والحضاري .
* الجيوبولتيكيا:
علاقة الدولة بمحيطها الخارجي وسياساتها الخارجية وتصورها عن ذاتها ومحيطها وتأثيرها وتأثرها بالعالم الخارجي وكيفية صياغة السياسات والنشاطات التي تحقق لها اكبر العوائد وتجنبها المخاطر. ويذهب كثير من الباحثين إلى أن علم الجيوبوليتك من العلوم القديمة، حيث نستطيع أن نجد بعض ملامح التفكير الجيوبوليتكي في آراء أرسطو في السياسة ووظائف الدولة وطبيعة الحدود وتناسب قوة الدولة مع عدد سكانها وتوزيع الثروات فيها.