سمير عادل
في الوقت الذي تقوم فيه عدد من دول العالم بتقديم المساعدات المالية للعمال والموظفين في جميع القطاعات، الخاص والعام” من اجل ملازمة البيت وتحقيق حجر صحي ناجح وتقدم الصحة على الاقتصاد، نجد في العراق أن التسريبات الإعلامية والتصريحات السياسية تتولى حول تخفيض رواتب ومخصصات العمال والموظفين، هذا يعد بالون اختبار لقياس ردة فعل المجتمع تجاه ما ترمي إليه السلطة المليشياتية الحاكمة لإنقاذ أزمتها الاقتصادية أو بالأحرى أزمة جفاف منابع سرقتها ونهبها لثروات الجماهير بسبب انخفاض أسعار النفط جراء تفشي وباء كورونا وما نتج عنها من عملية إغلاق لجميع المفاصل الاقتصادية في العالم.
صحيح ان انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى تأثير اقتصادي على البلدان المصدرة للنفط، إلا انه في حالة مثل حالة العراق فإن هذا ليس كل الصورة. ففي الأزمات الاقتصادية والسياسية تحاول السلطة البرجوازية إما استغلال تلك الأزمات وتوجه ضربة موجعة لعموم المجتمع ويأتي في مقدمتهم العمال والموظفين ويزيد من محنة العاطلين عن العمل من اجل تحقيق أجندات معينة لم تستطع ان تحققها في الأوقات العادية، أو أنها تحمل أزمتها وترميها على كاهل تلك الطبقة المحرومة من الخيرات لتنفرد هي وحدها باستغلال ثروات المجتمع.
قبل انتفاضة شباط ٢٠١١ قرر مجلس الوزراء الذي كان يترأسه نوري المالكي؛ إلغاء البطاقة التموينية، إلا انه تراجع عن القرار بعد ان لاحت في الأفق شرارة اشتعال الانتفاضة، وقد اتهم عدد من الوزراء الذي ينتمون إلى الكتل السياسية في المجلس بالوقوف خلف قرار إلغاء البطاقة. إلا انه والحق يقال أنه لم يكن المالكي وراء القرار ولا تلك الكتل السياسية التي اتهمها، إنما كان وراءه صندوق النقد الدولي هو الذي أوعز للمالكي بإلغاء البطاقة التموينية، وكان هذا قرار بول بريمر الرئيس المدني لتحالف احتلال العراق، وحينها قرر إلغاء البطاقة لتموينية بشكل تدريجي عن طريق تقليل مفرداتها. وليس هذا فحسب، بل ان نفس الحاكم المدني للاحتلال اصدر قرار بتصفية مصانع ومعامل القطاع الحكومي التي تقدر ب ٢٠٠ مصنع من كبريات المصانع في الشرق الأوسط عن طريق عدم تزويدها بالطاقة الكهربائية وعدم تخصيص أية موال لها في الموازنة لتأهيلها للعمل. ورافقت تلك القرارات تصفية قطاع التعليم العالي أو خصخصة الجامعات الحكومية وخصخصة الكهرباء والنفط والماء والاتصالات..الخ. والجدير بالذكر ان مشروع تأسيس ما سمي بشركة النفط الوطنية وهي من بناة أفكار عادل عبد المهدي الذي لم ينجح في تحقيقه، فهو اي المشروع جزء من عملية الخصخصة لقطاع الطاقة برمته. وما جاء بعده اي بعد تلك السياسات والتي تصب في سلة واحدة هو قانون تعديل سلم الرواتب وقانون التقاعد وقانون عدم التوظيف أو التعيين في القطاع الحكومي، كانت شروط المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي هي رزمة متكاملة لنقل العراق إلى مختبر أخر لتحقيق سياسة الليبرالية الجديدة.
وخلال كل تلك السنوات منذ احتلال العراق عام ٢٠٠٣ وحتى ساعة تفشي وباء كورونا، وبجميع حكومات الإسلام السياسي الشيعي بدء من المالكي بدورتين ومرورا بالعبادي وانتهاء بعبد المهدي، نفذت قسم من تلك المشاريع وراوحت قسما أخر منها في مكانها، بسبب الموانع والمعوقات السياسية والاجتماعية التي تتلخص بالخوف من الانفجار الاجتماعي بوجهها.
اليوم تحاول السلطة المليشياتية الحاكمة بتكملة تنفيذ تلك المشاريع وأولها خفض رواتب العمال والموظفين في القطاع العام، وكانت إحدى المطالب المتكررة لتلك المؤسسات قبل سنوات وتحويل قسم كبير منهم إلى التقاعد.
فإذا كانت حجة الحرب على داعش واستغلال خوف الناس ورعبهم من الوحش الذي صنعه الظلم الطائفي لسلطة الإسلام السياسي الشيعي وغذته الإدارة الأمريكية ضد المصنفين (سنة) في المناطق الغربية من العراق ، لكي تفرض حكومة العبادي سياسة التقشف وعدم التوظيف أو التعيين والتوقيع على شروط تلك المؤسسات وربط العراق بمديونية عالية دون مواجهة اعتراضات اجتماعية واحتجاجات جماهيرية، فأن اليوم وتحت ذريعة انخفاض أسعار النفط والخوف من تفشي وباء كورونا، تحاول نفس السلطة المليشياتية ولكن برأس أخر تمرير مشاريع تلك المؤسسات وهي خفض الرواتب وتعويم العملة العراقية والانتهاء بما بدأته سلطة الاحتلال الأمريكي في العراق. وهذه هي الضربة الموجعة والمميتة التي تحاول تلك السلطة توجيهها للعمال والموظفين لتحقيق ما لم تتمكن تحقيقها خلال السنوات المنصرمة.
لقد قدم الحزب الشيوعي العمالي العراقي وثيقة بعنوان ( سياسة الحزب الشيوعي العمالي تجاه “انخفاض عائدات النفط ”وإجراءات السلطة تجاهها) وقد وضح من خلالها الطريق للعمال والموظفين وكل أقسام المجتمع المحرومة بما فيهم العاطلين عن العمل، وأوضح كيف أنه بالإمكان تعويض انخفاض عائدات النفط. أو في الحقيقة ان “انخفاض أسعار النفط” هي الذريعة التي تختفي ورائها السلطة المليشياتية الحاكمة لتشديد هجمتها على الأغلبية المطلقة لسكان العراق، لكي تتستر على المنابع المالية الأخرى من اجل استمرار عملية السطو عليها ونهبها.
بعبارة أخرى ان تلك السلطة الطفيلية لا تريد ان تقدم تنازلات عن امتيازاتها وتنهي عمليه نهبها وسرقتها، وتتخلص من الدواوينية المتضخمة وهم جيش من المرتزقة من موظفي الرئاسات الثلاثة والحمايات وملاحقها في الوزارات والبرلمان والمناصب الخاصة التي تقدر عددهم بعشرات آلاف من الموظفين والعناصر الامنية، والتي أصبحت جيشاً يجب حله، وإعادة هيكلة رواتب ومعاشات المسؤولين والوزراء الحقيقيين غير الفضائيين ومصادرة جميع مؤسساتهم المالية وخاصة عشرات البنوك التي أسسوها فوراً.
ويعلم الجميع بأن الأدهى من كل ذلك وفي ظل تصاعد صيحات نفس الزمرة بخفض الرواتب، فهي تطالب المكلف الكاظمي باستحداث وزارتين جديدتين كي يرضي الأطراف الأخرى خلال عملية اقتسام السلطة والحكومة والامتيازات.
إننا نؤكد أنه ليس العمال والموظفين والمتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية وحدهم بل كل العاطلين عن العمل في العراق بإمكانهم الحصول على رغيف خبز والعيش بكرامة إنسانية ويتمتعون بالقليل من الرفاه إذا تم استحصال أموال المنافذ الحدودية والموانئ والضرائب وعائدات السياحة الدينية وحل الدواوينية المذكورة مع المؤسسات التي تحولت إلى قمع المجتمع وتمول من نفس المجتمع مثل الحشد الشعبي والعشائري والمليشيات…
ان ما قدمناه عبر الوثيقة المذكورة هو مشروع الطبقة العاملة للرد على انخفاض أسعار النفط وفي نفس الوقت فإنه يسحب البساط من تحت أقدام هذه السلطة الطفيلية التي تمثل حثالة البرجوازية في العالم.