الابتعاد عن خطابات بيان رقم (1 ) ضمانة الحراك المدني لتحقيق مطالب الشعب !!!
د.عامر صالح
اتخذ الحراك الشعبي والمتمثل في الاحتجاجات والتظاهرات طابعا سلميا, إنطلاقا من فهم شعبنا لتعقيدات العملية السياسية, وانعكاسا للدور الايجابي الذي لعبته الانتلجنسيا الوطنية العراقية في بلورة مزاج سلمي يضمن تصاعد الحراك المدني الى مدايات قصوى وذات طبيعة أستمرارية دورية بما يؤدي بالضرورة الى مزيدا من الضغظ لإجراء إصلاحات شاملة, تتناول العملية السياسية بكل مفاصلها, إنطلاقا من الاسباب المسببة لكل ما يجري فيها من اختناقات وتوقف لها منذ أكثر من عقد من الزمن, والى يومنا هذا حيث لم يرى النور أي اصلاح فعلي, بل يحاول البرلمان من خلال العديد من القوى المتنفذة الى حرف عملية الاصلاح الشامل وتحويلها الى آلية نفسية مخادعة لامتصاص نقمة الحراك الشعبي وتسكينه !!!.
وفي الوقت نفسه جرت تجاوزات عديدة من الاجهزة الامنية تمثلت في الاعتقالات والتعذيب واستخدام العتاد الحي وخراطيم المياه الساخنة ضد المتظاهرين في أكثر من محافظة. طبعا ولاينكر ايضا الدور الايجابي لهذه الاجهزة في التعامل الايجابي مع المتظاهرين, هنا وهناك, ومحاولات الحد من الصدامات المباشرة معهم.
وعلى صعيد الجبهة الاعلامية يجري تصعيد مدروس من قبل بعض الرموز الاسلاموية لتشويه صورة الحراك المدني واتهام قواه المحركة بالصعاليك واليسارية والعلمانية والكفرة, وربط ذلك كماهي المعزوفة القديمة بعداوتها للدين, في محاولة يائسة تقليدية لخلظ الاوراق والتأثير على بعض شرائح الحراك المدني في محاولة لاضعافه وتفتيته والعبث بوعيه. كما تجري محاولات عديدة لاختراق الحراك المدني من بعض المليشيات الطائفية المسلحة والاحزاب السياسية الطائفية, وهي جزء من الازمة, مستخدمة الترغيب والترهيب, في محاولة لايجاد نوع من الموازنة الشاذة داخل الحراك, واجهتها العلنية مطلبيا مع الحراك ولكن باطنها يعمل وفقا لقاعدة ” الاسلام هو الحل ” والاصلاح مهما بلغ شأنه فهو عمل باطل !!!.
كما تقوم العديد من القنوات الفضائية الاعلامية بمحاولات التأثير على مسار الحراك الشعبي السلمي وجره الى أعمال عنف وخلق مزاج انفعالي مدمر لا يليق بالحراك المدني الحضاري, وتستخدم هذه القنوات لغة اعلامية مموهة, ظاهرها الحرص على شعبنا ومطاليبه والبكاء على محنته, وباطنها حرف مسار الحراك وتحويله الى حركة صدامية, لا تقبل بأي شيئ ولا تريد أي شيئ, بل التأثير على الحراك في محاولة لتبني شعارات تلك القنوات الفضائية الصفراء, من خلال تحول صحفييها الى قيادات ميدانية عن بعد, واستخدام أسماء بعض الصحفيين كواجهات يضرب بها ” قوة المثل الميدانية المطلبية”. والجميع يعرف ان بعض من هذه القنوات والعاملين فيها هم من بقايا ثقافة النظام السابق ورموزه والمتباكين عليه, وهدفهم ليست الاصلاح واعادة بناء العملية السياسية على أسس سليمة, بل العودة الى المربع الاول, مربع الانقلابات العسكرية واحياء لقيم الدكتاتورية في الاستحواذ على السلطة, كما تلعب في خلق الفراغ السياسي المدمر, والذي تكون بدائله مزيدا من الارهاب والمليشيات المسلحة الطائفية وغير الطائفية وفرق القتل المجاني, وخلق مزيدا من الفوضى والاقتتال الداخلي !!!.
في تلك الاوضاع الدقيقة والتي تستدعي مزيدا من اليقظة الوطنية, وفي ظروف ضعف الموازنة بين نوعية المطاليب وطبيعتها الجذرية الآنية, وهشاشة المؤسسات الضامنة” من جيش حيادي مهني واجهزة أمنية واستخبارتية كفوءة” للحفاظ على الاوضاع العامة عند انهيار أو حل المؤسسات القائمة, يقوم بعض من الاخوة الكتاب المعروفين بنزاهتهم وانتمائهم للوطن في المطالبة بألغاء الدستور مرة واحدة, وحل الحكومة, وحل البرلمان, واعلان حالة الطوارئ في البلاد, وتأسيس جيش جديد, وأجهزة أمنية واستخباراتية بديله, واجراء انتخابات مبكرة, وغيرها من المطالب “الفورية والثورية” كشروط لبدأ الشروع في الاصلاح, على نسق ما كان يعقب الانقلابات العسكرية وما يتبعها مباشرة ببيان رقم ( 1 ) !!!.
ان استحضار آليات الانقلابات العسكرية والكامنة في اللاوعي عند بعض الكتاب, والتي جرت في تاريخ العراق هو أمر عفى عليه الزمن, وخاصة في تجارب العراق, فلا يمكن الاستعانة بهذا النموذج لحل المشكلات المستعصية الحالية, فهو نموذج لجأت أليه كل الحكومات التي انفردت بالسلطة ونسفت كل ما سبقها من هياكل ومؤسسات تشريعية وتنفيذيية وحتى بنى تحتية, في محاولات فشل معظمها في بناء ما هو ايجابي وجديد يخدم مصالح الناس, وبقى ما خدم الحاكم وتكريس نظام الحكم !!!.
نقولها بشكل دقيق اليوم وأنطلاقا من الموازنة الدقيقة في عناصر الموقف السياسي والامني العام في البلاد, ان اعلان حالة الطوارئ في البلاد في ظل انتشار المليشيات المسلحة, والتي تمتلك سلاحا وعدة وعدد وخبرة قتالية تفوق قدرات الجيش, والبعض منها يشكل أجنحة مسلحة لبعض أطراف العملية السياسية, زائدا قوى الارهاب العلني والمتمثلة أمام أعيننا بنموذج داعش المتحالف مع البعث في نسخته العراقية, والتي الى اليوم لم يستطيع الجيش العراقي ولا الحشد الشعبي من حسم المعركة لصالحهما تماما رغم تقدمهما النسبي في أرض المعركة, وبقاء الموصل محتلة دون تحريك ساكن صوب تحريرها, الى جانب قوى الجريمة المنظمة والمجاميع الشللية من حملة السلاح, وحملة السلاح الفردي, والمافيات, وفرق القتل والموت, وقوى جرائم السطو والاعتداء على أالمال العام والخاص. إن من يملئ الفراغ الامني وحتى السياسي هو خليط من تلك القوى الشريرة, وان الموقف سيزداد قتامة ودموية !!!.
ان الاحتلال وما بعده خلق واقعا لايمكن تجاوزه أو طرح مشروع اصلاح جذري يتحاوز البيئة التي سيجري فيها ومجمل نعقيداتها, وبالتالي يكون الاصلاح مجديا عندما ينطلق من خصوصية الظروف المحيطة به, ولايأتي متعاليا عليها فيفقد مرونته في التطبيق. نعم ان تعقيد البيئة العراقية السياسية والاقتصادية والامنية التي سيجري فيها الاصلاح قد يخدم نسبيا بقاء الاسلام السياسي الطائفي والاثني المحصصاتي متنفسا الصعداء مع بقاء الاوضاع دون نقلة جذرية سريعة في الاوضاع السائدة, ولكن قوة الدفع في الحراك الوطني والمدني الشامل متزامنا مع الضغط في البدأ الجدي بتنفيذ حزم الاصلاح ومتابعة الشعب لمديات تطبيقها, كفيل بتحويل الحراك المدني الى أجهزة شعبية رقابية لمتابعة سقف الاصلاح ومحتواه !!!.
ويحب التأكيد هنا ان كل السلطات, التشريعية والقضائية والتنفيذية, الى جانب الدستور, وان لم تكن مقدسة بالتأكيد الا انها امتداد لبصمات الشعب عبر صناديق الاقتراع, مهما قيل ويقال عن ملابسات الانتخابات وتزويرها والظروف التاريخية التي تم من خلالها سرقة ارادة الناخب, وهذا يضفي على الاوضاع القائمة أكثر تعقيدا ومسارا صعبا في معالجات جذرية, لان ذلك مرتبط باعادة تشكيل وعي الناخب, أي ان اعادة الانتخابات غدا على سبيل المثال, ليست بالضرورة ان تأتي نتائجها مطابقة لاتجاهات اصلاح العملية السياسية جملة وتفصيلا !!!.
ولكن من الايجابي والموعود في نتائجه هو ان شعبنا في حراكه المدني رفع الحصانة الاخلاقية والسياسية والقدسية عن من انتخبهم ممثلين له, احزابا وافرادا, من خلال فهمه الحراكي لازمة ومأساة النظام الطائفي والمحصصاتي المسبب لكل ذلك. وهذا يشكل رسم ملامح اصطفافات جديدة في اعادة بناء الوعي المدني وتغير في الخارطة السياسة العراقية لصالح التيار الانساني العام والحضاري !!!.
لقد قرر شعبنا في حراكه الشعبي إن الاصلاح الشامل وليست ” الثورة ” هي الحل, وأن ضمانة ذلك هو: الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والاثنية, وهذا يعني اجراء تعديلات جوهرية على الدستور, واعادة النظر بقانون الانتخابات, واصدار قانون الاحزاب والذي يمنع تشكيل الاحزاب على أسس دينية وطائفية وقومية, الى جانب تشريع قانون النقابات والاتحادات, وقانون النفط والغاز, وقانون حرية التعبير, وقانون المحكمة الدستورية, وقانون مجلس الاتحاد, واعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وهيئة النزاهه, واعادة تشكيل مجلس القضاء الاعلى بما يضمن من نزاهته حقا. أن التأسيس لذلك والشروع بالعمل فيه هو الضمانة الاكيدة لمستقبل العراق وحماية مستقبل أبنائه وثرواته ودرء خطر الارهاب. وهي مقدمات لبناء عراق يسعد المواطن في تنوعه الاثني والديني والثقافي والمذهبي ولا يشقى !!!.
ان شعارات ك ” بأسم الدين سرقونا الحرامية ” و ” يا مواطن يا مسكين ضحكوا عليك بأسم الدين ” و ” ميزانية انفجارية في جيوب الحرامية ” و ” أطلع يا شعب لا تكول شعليه ” و ” وداعش والبرلمان وجهان لعملة واحدة ” و ” وقادمون الى المنطقة الخضراء كي لا نهاجر خارج الوطن ” و ” ولا لحكومة الفوضى والدمار ” وغيرها من الشعارات, إنها ليست نزهة في عالم الترديد الببغاوي والمتعة الاجترارية, بل انها ارتجاجات في القشرة الدماغية للحراك الشعبي وحالة مخاض لانتاج وعي جديد سيقرر مستقبل أفضل !!!.