الإنسان بين التسليع والأرشفة والرقمنة
قراءة في كتاب “ما بعد كورونا هل يغير العالم مناخه؛ دراسة في صناعة الوعي” للأستاذ عدي عدنان البلداوي
الدكتور صالح الطائي
منذ بدايات فجر التاريخ والإنسان أكثر الكائنات تعرضا للتسليع؛ هذا النمط الحياتي الذي أجازته بعض الديانات السماوية ومنها الإسلام لأسباب إن كانت في بداياتها تبدو مقبولة كواحدة من مخرجات الصراع الأزلي، طالما أنها ستنتهي بعد أن تؤدي واجبها البنائي في مرحلة السيرورة والنشوء، ولكنها خلاف ذلك، ولأسباب نفعية كثيرة، فرضت نفسها على الواقع الحياتي والمجتمعي، وأسست لنفسها قوانين فاعلة إلى اليوم تحت أنواع من الأغطية الواهية التي لا دليل على صحتها، ولا يجرؤ أحد ما على الاعتراض عليها.
بعد هذا التاريخ الابتدائي القلق ارتبط الإنسان بالأرشفة كوسيلة لتنظيم حياته كمحصلة من نتاج تطور العلوم وهيمنتها على مفاصل الحياة؛ بعد أن تحول هو نفسه إلى رقم في السجل الحكومي الالكتروني، وتحولت واجباته ومردوداته وحياته كلها إلى صفحات في سجل محفوظ بعناية في أرشيف الوطن.
ولغاية عام 2019 كانت الأرشفة فاعلة ومؤثرة ولها استخداماتها المتعددة والمفيدة جدا لا للمواطن وحده بالطبع بل ولأنظمة الحكم والقيادات الخفية والعالم الفوقي السري، وقد أسهمت بدورها في تهيئة الأجواء لتقبل المشاريع الجديدة المقترحة. ولكنها تعرضت في هذا التاريخ بالذات إلى هجمة كان التخطيط قد بدأ لها منذ زمن طويل، وقد استعجلت الظهور قبل أن تكتمل الخطط الخاصة بها فأعلن انتشار (كوفيد 19) عن إعلانها أمام الكون مستبقا الأحداث والأحاديث.!
فهل يعتبر وباء كورونا نقلة تاريخية تنبئ بنهاية عصور وبداية عصر لا سابق له؟ وهل صحيح أن وباء كورونا الذي تجاوز كل مؤشرات الأمان المعروفة، وكل نظم الرقابة الموثوق بها، وكل الحدود والمعوقات، فامتد من أقصى الأرض إلى أقصاها، سيحول البشر إلى أجراء موظفين ومستهلكين يعملون لحساب شركات كونية أو منظمات سرية تتولى قيادة العالم أملا في ضمان انسيابية الحياة وفق هواهم ومخططاتهم دون مفاجئات غير مرغوب فيها تعترض هذا المشروع؟
هذا السؤال يمثل فحوى كتاب الأستاذ عدنان البلداوي الذي نحدد بصدد تفكيكه وقرائته، وهو سؤال ـ بكل فروعه ـ يبدو استفزازيا وفي غاية الخطورة، ولكنه يفرض نفسه بعمق نظرا للنذر التي تلوح في الأفق، وهي كلها مغلفة بالتشاؤم والقلق، فلقد أثبتت مقولة “العالم قبل كورونا ليس كما هو بعدها” جدارتها وصحتها، واستشعر الإنسان في العالم كله من قمم الحضارة إلى متاهات أفريقيا وبدائيات غابات الأمازون هذه الحقيقة، حقيقة التحول الجوهري الذي أعاد بناء أهم أركان حياتنا وفق مواصفات كان روادها وأصحابها يبحثون لها عن ثغرة في النظام الكوني ليمرروها، فإذا بوباء كورونا يفتح لها الباب على مصراعيه لتبدأ بإعادة ترتيب حياة الكائنات كلها وفق مشروعها الطامح الذي من أولى أولوياته أنه سيعيد العلاقة بين السيد والعبد وفق نمذجة جديدة تحول الشعوب جميعها إلى عبيد لسيد أوحد هو قائد النظام العالمي الجديد، طالما أن القوى المضادة بدءً من تفكك الاتحاد السوفيتي، إلى تحول الكثير من البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى دول فاشلة، لم تعد تمثل تهديدا جديا وفاعلا للمشروع.
وهنا يقفز سؤال آخر من أعمق مناطق الوعي التي أصابها الإرباك: هل أن كورونا داء مصنع تم نشره لكي يمهد لطرح فكرة مشروع الكونية الجديد؟ أم أنه جاء بسبب مؤثرات أخرى ولكن مخرجاته استغلت لتخدم مشروع الكونية؟ أم أنه أحد النذر الخطيرة التي تمر بين حين وآخر لتذكر الإنسان أنه مهما تطور وتقدم وتحضر واستقوى واستأسد وفكر وخطط ورسم سوف يبقى عرضة لهجوم من قوى خارقة بعضها لا ترى بالعين المجردة ولكنها أكبر منه ومن كل قدراته، وأنه لا قدرة له على ردعها بكل معطيات حضارته؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تبدو بدورها محاولة عبثية لإثبات أن الماء ماء، فرؤية العالم للغيبيات كادت تتلاشى، وأصبحت المادة أساس الوجود، وصار الإنسان يؤمن بما يراه لا بما هو غيب، وهو ما يدفعنا لنسأل عن هذا المشروع الواعد فيما إذا ما كان معادلة جديدة جاءت لتنسخ المعادلات التقليدية المعروفة، أم جاءت مكملة للمشروع الكوني الكبير؟ وهل ممكن أن يتاح لثنائية الحاكم والمحكوم التقليدية أن تمارس لعبتها التاريخية السمجة في هذه المعادلة رغم خطورة الموقف؟ لم لا ومشكلة الإنسان المعاصر أن القيمين على شؤونه يعتقدون أن عدم الاستقرار في حياته والعوز الذي يعاني منه والانهزامية التي يشعر بها إنما هي نتاج سوء حاله وليس بسبب سوء إدارة البلاد وقوانينها المرعية!
وهذا هو القصور الذهني في أعلى مراحله فالمشكلة التاريخية المشخصة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي أن المحكوم طالما عانى من شظف العيش والمرض والبؤس والجوع والفاقة والحرمان، وأنهكه ارتفاع الأسعار، وقلة الوظائف والأعمال، وضعف الموارد، وكثرة الشوارد، وتفشي البطالة، في وقت يرى فيه الحاكم مهما كان نظام حكمه أن أي مكرمة يقدمها للناس حتى لو كانت من ضمن حقوقهم الوطنية والشرعية والإنسانية التي أقرها الدستور ضربا من اعمال الخير الذي سيدخله الجنان، وفضلا لا يدانيه فيه أحد، وفي مثل هذه الثنائية غير المتناسقة لا يمكن للأمور أن تستقيم، وهذا نذير بأن الانحدار سيبقى علامة فارقة في دنيانا المعاصرة طالما أن الحاكم يتجاهل عن عمد أو يجهل بشكل طبيعي طبيعة المحكوم.
في هذه المعادلة غير العادلة تختفي العاطفة والألفة والود الطبيعية ويتحول العيش إلى تجربة حياة اصطناعية تفتقر إلى مقومات الكرامة والنبل والاحترام المتبادل والموازنة بين الحقوق والواجبات، مع علم الجميع أن الإنسان هو الإنسان في كل الأزمان، ونسيجه التكويني في القرن الحادي والعشرين يتوافق مع نسيج أخيه في القرن الكوني الأول، فالدم الذي كان يجري في جسد قابيل هو نفسه يجري اليوم في أجسادنا مع اختلاف بسيط وهو أن العصا وبعض المفردات الأخرى كانت محركهم الأوحد، أما اليوم فالنظام الرقمي بدأ يفرض نفسه ليتولى قيادة البشرية بدل العصا ومحلقاتها من خلال أزرار أباح له لمسها والاندهاش بما ستظهره له، وهذا يعني أن العلوم ومخرجاتها تحولت إلى أداة قمع بيد القوى المسيطرة، قد لا يكون صنع فايروس كورونا آخرها.
إن الحديث عن فايروس كورونا والوباء الذي تسبب به، وتهديده لأعظم الدول واقواها، يعطي مخرجا في غاية الأهمية وهو أن هذا الوباء الذي خرج عن السيطرة فقلب السحر على الساحر كان محاولة لإقناع العالم بحاجته إلى نظام عالمي جديد [[[ص18]]] وأن المشرفين على هذا المشروع هم الذين تولوا إعادة ترتيب الواقع بعد أن أثبتت البلدان الفاشلة أنها دون مستوى التماهي مع الحدث، ففي الوقت الذي انتظر الناس من حكوماتهم ومنها على سبيل المثال الحكومة العراقية توفير مستلزمات الحماية، والإسهام في رفع الحيف الذي لحق بالمواطن جراء فرض منع التجوال وتوقف الأعمال، نجد الحكومة تعلن بفخر عن اعتقال آلاف المخالفين لحظر التجوال، وفرض غرامات مالية على المخالفين دون النظر في الأسباب التي دفعتهم إلى المجازفة ومخالفة الحظر، ونجدها في ذات الوقت قد تخلفت عن منح المبلغ الزهيد جدا الذي خصصته لتوزيعه شهريا كمنحة على المتضررين، والذي هو بالأساس لا يكفي لسد مصاريف يوم واحد، فلم تدفع منه شيئا، وفي الوقت الذي دعت فيه القطاع الخاص لتخفيض أجور الاشتراك في المولدات الكهربائية الأهلية، لم تبادر من جانبها بإلغاء أو تأجيل أو تخفيض الأجور التي تستوفيها عن تجهيز المواطنين بالكهرباء الوطنية والماء بما فيهم الأسر المتضررة فعلا، بل جعلت تلك المبالغ ديونا مترتبة بذمم من لم يدفع أو عجز عن الدفع [[[ينظر: ص18ـ19]]]]]
هذه الثنائية القبيحة المتناقضة تكررت وبشكل يبدو مقصودا ومخطط له بعناية فائقة، ليس العراق وحده، إذ لا زالت الطائرات المتطورة تقصف أحياء الفقراء في اليمن وتقتل الأبرياء، ولا زالت سوريا شعبا ووطنا تتعرض للإبادة الحمقاء، ولا زال القلق في ليبيا سيد الموقف، ولا زال الترقب الحذر في تونس يتعب الأعصاب، ولا زال البحث عن الانشقاق والانشطار في السودان قائما على قدم وساق، ولا زال العبث في لبنان يقتل الجمال ويغتال المتعة ويصادر الآمال، ولا زالت البلدان الأفريقية تزداد فقرا، في وقت لم يعد الفقر اصطلاحا يشتمل على الحالة الاقتصادية وعلى الفرد والمورد المالي، فقد شمل ما هو أبعد من ذلك، إنه توفر الفرص الحقيقية من قبل الفرد أو النظام الذي يدير شؤون البلاد، فرص تمكن الفرد من أداء رسالته في الحياة [[[ص23]]]
المشكلة أن جميع هذه البلدان وبلدانا أخرى غيرها لا تختلف عنها كثيرا، أو مرشحة لأن تلحقها في القريب العاجل، وكلها ولاسيما العراق الذي نعيش فيه تكاد لا تلتفت إلى ضرورة وجود خلية أزمة متخصصة تتولى إدارة التعامل مع الوباء ومع ما يثار حول المشروع العالمي الجديد ومع التغيرات المتسارعة، تتصرف وفق معايير وخطط أكبر من عسكرة الحياة المدنية، ولاسيما في بلد فيه أكثر من سبعة ملايين مواطن في خط أو تحت خط الفقر، وفيه بطالة فاقت كل المقاييس فبلغت بحدود 70% بين الشباب حسب الإحصاءات العالمية [[[ص31ـ32]]]]]]]
يبدو من الملاحظات التي أوردناها اننا في حضرة كتاب أراد ان ينتهك المحظور، ففي هذا الكتاب حاول الأستاذ عدي البلداوي لملمة أطراف الواقع المتباعدة، التي تولدت نتيجة الشائعات والآراء والتصريحات والاستنتاجات، ومنها الحديث عن مشاريع تستهدف حياة الناس من خلال خلق الوباء، واستغلال الظرف الصحي لإجبار الناس على تلقي لقاح هو جزء من مشروع مستقبلي فيه اختراق للخصوصية والسرية الشخصية [[[ص36]]]] كل ذلك لأن العالم يتحرك فعلا باتجاه نظام جديد كليا بعد أن تهيأت له الظروف المعلوماتية والتكنولوجية.
أما مناخ هذه البلدان الفاشلة الملبد بالغيوم السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية فقد حث الناس على القبول بالأمر الواقع، وأسهم من جانبه في تسريع وتيرة العمل على مشروع النظام العالمي الجديد والترويج له بعد أن تضافر الوباء معه ومهد له الطريق، فكان حافزا قويا له الأثر الكبير، فضلا عن تخلي النظم عن الأرشفة التقليدية.
لقد أدى الخروج من ربقة الأرشفة التقليدية إلى دائرة الرقمنة والخوارزمية إلى تغيير أنماط العلاقة بين الأفراد داخل المجتمع الواحد، وعلاقة الشعوب مع الشعوب الأخرى المجاورة والبعيدة، في ذات الوقت الذي أدى هذا الخروج المتسارع إلى تغيير النظرة إلى القوانين المحلية المرعية والقوانين الدولية التي بدأت تخترق الحدود الكترونيا لتترك بصمتها على السلوك العام للشعوب نتيجة التغيير الذي أحدثته في قناعاتهم، وتمكنها من تغيير رؤيتهم للمصطلحات الجديدة التي ابتدعتها وأحلتها بدل المصطلحات القديمة بحجة الخروج من دائرة التراث إلى دنيا الحداثة والتجديد، وذلك كله كان مدروسا بعناية فائقة ومخطط لكل خطوة منه باتقان، ولذا لم ينجح الأثر السيء الذي تركته كورونا في الضغط على المشروع بقدر نجاحهم في توظيف مخرجات الوباء لصالح مشروعهم، وهو ما تماهى معه الأستاذ عدي البلداوي في رؤيته أننا لا نستطيع أن نتجاوز حقيقة الدور الريادي للدول الصناعية المتقدمة والمناخ الجديد الذي أوجدته الثورة الصناعية المتقدمة، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن العلم لا يقوم بهذه الإنجازات بعيدا عن الإرادة الدولية للأنظمة التي تدير العالم، وان هذه النظم كشفت عن مساوئها في أجواء العالم الموبوءة بفايروس كورنا [[[ص60 ]]]
تجدر الإشارة إلى أنه ليست القوانين الدولية وحدها التي اخترقت الحدود وبدأت تُعوِّد الناس على مطالبها بما فيها تلك المطالب المخالفة لتراثهم وعقائدهم وسنن حياتهم، فالسلع ورأس المال اكتسبا بدورهما طابعا عالميا له قدرة فائقة للتأثير على صناعة القرار محليا، فأصبح الاقتصاد قوة جبارة وضعت القوى الأخرى تحت جناحها[[[ص61]]]]]]]]]
وبالتالي ومن خلال تظافر الرقمنة والضغط الدولي الفائق والتأثير الاقتصادي المهول على مجمل الأوضاع الداخلية للبلدان بدأ المشروع الجديد أولى تجاربه للتحكم في تكوين الفرد البشري وإعادة هيكلة بناء الشخصية [[[ص63]]]] لخلق أنماط جديدة من البشر يسهل سوقها قطيعيا، وهذا يعني أن البشرية كلها تتحرك نحو واقع مأزوم محفوف بالمخاطر القصوى، وسيقوم النظام الجديد بالمراهنة على حالة التأزم من خلال إدارة تخصصية كفوءة ومتمرسة معدة سلفا ومدربة تدريبا جيدا[[[ص72]]]] تملك قدرة تقديم حلول ترقى إلى مستوى مداواة آثار الأزمة، وذلك لتحقيق توازن نفسي يضمن لها قيادة القطيع دون معارضة، بعد أن نجح تحكمها في العلوم وحصر النتائج في مستويات ضيقة وسرية في جعلها قادرة حتى في التحكم بالطقس والأمطار وربما ثوران البراكين والزوابع والعواصف بما يجعلها قادرة على التحكم بمصائر الشعوب دون أن تترك أثرا يفضح تورطها في تلك الأعمال القذرة.
فإذا اجتمعت كل تلك المخرجات مع الصعود القلِق للمعايير المنحطة والمفاهيم المغلوطة والمصطلحات المستحدثة التي تجاوزت التابو والمقدس بحجة التحرر من كل أشكال القيود. ومع صعود الفاشلين والمنحطين لتولي قيادة البلدان وإدارة الدول. ومع غياب الأداء الإنساني الرفيع. ومع محاصرة القيم العليا في زوايا مظلمة والتأثير عليها من خلال الترويج للقيم البديلة المستحدثة. ومع وفرة المعرفة الخالية من القيمة العليا ويسر الوصول إليها واستخدامها. ومع عجز الخطابات الدينية والسياسية المحلية عن إقناع الناس بصحة ما تدعو إليه. ومع تأثير الإعلام السلبي المدعوم بسطوة القوة المسيطرة على برامج البروباغاندا. ومع مفارقة الشعوب للقراءة وإهمال مصادر ومراجع العلوم والتاريخ واللغة المكدسة في المكتبات الورقية، والاعتماد الكلي على بيانات العالم الرقمي المتاحة بلمسة زر أمام الجميع، مع علم الكثيرين أن تزييفا حقيقيا خضعت له تلك المعلومات الرقمية مثلما يرى الأستاذ البلداوي قبل أن تصبح متاحة لهم [[ينظر: ص120]]]] ومع غياب الحقيقة وانتشار الزيف والخداع. مع غياب ذلك كله أصبح الإعلان الرسمي عن ولادة النظام العالمي الجديد حقيقة تلوح في الأفق القريب، بل هي أقرب لأنوفنا وأعيننا من الأشياء المحيطة بنا الأخرى، وكل الذين يفتلون شواربهم ويفخرون بعضلاتهم.. كلهم سيكونون أول المصفقين لأنهم بلا رسالة مع أن من المفروض أن تكون لكل إنسان رسالة مثلما وفق رؤية الأستاذ عدي [[ص144]]]]
وأملا في إيجاد علاج أو موقف حمائي يرى الأستاذ البلداوي أنه ينبغي تهيئة مناخ نفسي في المجتمع يمكنه من تقبل مراحل وعي أكثر عمقا فيما يخص العلاقة البشرية مع الذات ومع الله وانعكاساتها على أرض الواقع مع الآخرين[[ص146ـ147]]]
وأرى من جانبي أن هذا التوجه لو قدر له أن يبدأ قبل هذا التاريخ، وأن يتحول إلى قوة ضاغطة لها قدرة التصدي للمشكلة في طريق سيرورتها قبل أن تصل لهدفها وتؤسس قواعد لها لكان قد حقق النجاح المطلوب، أما الآن، الآن بعد أن أنهت المشكلة مسيرتها التكوينية، وفتحت سجلاتها، وشغلت آلاتها، وبثت برامجها، وأفصحت عن مشروعها، فأعتقد أن الأمر أكثر صعوبة مما نتوقع، وأن الأمل وحده هو الذي يدفعنا لنتوقع من تلك القوة التي نؤمن بها أن تؤثر على القوة المضادة وتوقف تخريبها، ومع أن “ما نيل المطالب بالتمني” إلا أننا نثق بالله، وأن ثقتنا ممكن أن تدفعنا إلى الأمام خطوات، لكن علينا أن نشد العزم لنواصل المسير ضد التيار مهما كان عاتيا جبارا، وألا فإن عصا الراعي تنتظر انضمامنا إلى القطيع.
صدر كتاب ” ما بعد كورونا هل يغير العالم مناخه؛ دراسة في صناعة الوعي” للأستاذ المهندس عدي عدنان البلداوي في أواخر عام 2021 عن مؤسسة البلداوي للطباعة بواقع 188 صفحة من الحجم الكبير، وهو محاولة جريئة لتفكيك الواقع المأزوم برؤية علمية عقدية أخلاقية إنسانية، وقراءته لا تدفع على الممل مطلقا نظرا لاحتوائه على معلومات واحصاءات وأخبار مهمة وممتعة.