الإشاعة
د.شاكر حسين الخشالي
ـــــــــــــــ تملأ الأثير في أجواء المجتمع العراقي هذه الأيام الكثير من الإشاعات ’ وعلى الرغم من أن هذا المصطلح يتكلم عن شكلين من الإشاعة وهي إشاعة الأمل وإشاعة الإحباط , لكن المؤلم المؤسف إن أثيرنا ينقل لنا إشاعة الإحباط وحجّم نهائياً إشاعة الأمل , فرأيت من المفيد أن أغطي جانباً عن الإشاعة وهو مفهومها , ثم أركز على أثرها السلبي على نفسية الفرد وهو الأهم والأخطر على البناء الاجتماعي .
الإشاعة هي قصة ملفقة مبتدعة يتداولها الناس بحريّة كاملة وتصبح محوراً جاذباً للحديث , تحتوي على معلومات تنقصها الصحة والبرهان والإثباتات المادية , وقد تحتوي هذه القصة على بعض الحقائق الغامضة والمبهمة لكي توهم المتلقي بالإقناع , وتظهر الإشاعات خلال أوقات الأزمات والكوارث كالحروب وانتشار الأوبئة والانقسامات والصراعات السياسية والدينية والاجتماعية , إن القصة أو الحادثة التي تدور حولها الإشاعة تنتقل من فرد لآخر , وربما ينقلها بعض الأفراد ببراءة دون قصد وذلك مرهون بوعي وثقافة المجتمع , فتنتشر بين الناس كالنار في الهشيم حسب التوقعات لقوة أثرها عليهم , وكلما تناقلت بين الأفراد كلما تقلصت بعض معلوماتها , وأضيفت إليها معلومات جديدة غير دقيقة وربما مقصودة فشوهت بعض حقائقها , إلى أن تصبح بالنهاية قصة تختلف بمضمونها ومادتها ومحتواها عن القصة الأصلية , والتحريف الذي يقع في القصة الأصلية غالباً ما ينسجم مع أهداف ومصالح الجهات أو الجهة التي تبث وتنشر الإشاعة بين الناس , تمر الإشاعة منذ انطلاقها إلى وصولها إلى المتلقي بعمليتين , العملية الأولى وتسمى ( التسوية) أي اختزال وحذف بعض المعلومات المتعلقة بطبيعة وأصل الحادثة المتداولة , والعملية الثانية وتسمى (الإبراز ) أي إضافة معلومات جديدة على قصة الحادثة بحيث تشوه طبيعة الحادثة من خلال إبراز بعض جوانبها التي تتلاءم مع مصالح الجهة التي تتداولها وتشوه حقائقها .
الإشاعة موضوع واسع تتناوله مصادر وبحوث المدارس الأمنية والإعلامية فتركز على أسلوبه وفنونه , أما علم النفس وعلم النفس الاجتماعي فيركز على آثاره على نفسية الفرد وسلوكه الذي ينعكس على البناء الاجتماعي وهو الخطر الأهم في الإشاعة ’ كونها تجعل الإنسان يعيش حالة قلق وخوف وتوتر وشدّ , قد تصل الحال به إلى الانهيار , إن معالجة الإشاعة يتم بجانبين , الجانب الأول تحجيم تداولها وهذا مرهون بوعي وثقافة المجتمع كما أسلفت , والجانب الثاني تكذيبها من قبل الجهات ذات الاختصاص وبأسلوب فني مقنع مسند بالحقائق والبيانات , فإذا كان بعضاً مما ورد فيها صحيحاً وضرره على المجتمع أقل بكثير من آثار انتشار الإشاعة وحدوث آثارها النفسية على الناس فربما يقدم المختصون على المصارحة به بطرقهم الخاصة , خلاصة القول : يفترض بمجلس الوزراء أن يشكل وعلى الفور زمرة بحثية من أساتذة الجامعة لدراسة الإشاعة التي تمس أمن الدولة والمجتمع وعرض توصيات العلاج , ونلتمس من قادة دولتنا ومجتمعنا بكل مؤسساتها ومنظماتها وجماعاتها حصر تكذيب الإشاعات بناطق رسمي محدد من ذوي الاختصاص , لكي لا يعطوا فرصة للغير للتلاعب بالألفاظ , توجيه هيئة الإعلام للتركيز على برامج التنمية التي تفيد الناس , وتجنب البرامج التي تساهم في تداول الإشاعة ولو بدون قصد , دعاؤنا أن يمن الله علينا بغيث المحبة والمودة الذي يطهر النفوس من الكره والضغينة انه سميع مجيب ……