الأنتخابات المبكرة..من سيربح الفوز؟
قراءة سيكولوجية
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
اكثر ما يشغل العراقيين الآن هو توقعاتهم لنتائج الانتخابات المبكرة (حزيران 2021)،فمنهم من يرى انها ستشكل البداية نحو التغيير،ومنهم من يرى ان الحال سيبقى على ما هو عليه،ومنهم من يرى ان النتائج ستكون مرهونة بما سيحدث في اليوم الذي يدلي فيه الناخب العراقي بصوته..فمن سيربح الفوز؟
ليس مبالغة ان قلنا ان العامل السيكولوجي ،وليس الوعي الأنتخابي، له الدور الرئيس في تحديد نتائج الأنتخابات في العراق..ولنا في عزف احزاب الأسلام السياسي الشيعي على الوتر الطائفي وتخويف جماهيرها في انتخابات 2005 و2010ما يؤكد ذلك،برغم ان كثيرين منهم يعرفون ان من سينتخبونه لا يستحق ان يكون نائبا في البرلمان.
ولم يدرك كثيرون ان المبالغة في التشاؤم تزداد في زمن الانكسارات النفسية وتوالي الخيبات،وتشيع بين الناس عدوى الشعور بالاحباط،توصلهم الى اليأس بأن تغيير سوء الحال امر مستحيل،وهذا ما حصل في انتخابات 2018،لأن (كل شيء جاهز ومرتب،والوضع خربان وما تصيرله كل جاره)..فاقعد اليأس اكثر من 80% من العراقيين في بيوتهم وكانت النتجة ان جاء ببرلمان (الحالي) لا يمثل الشعب، لأن (15) نائبا فقط فازوا باصواتهم! مع انه كان من الممكن تفعيل اسباب التغيير بتأمين أمرين:
الأول: يقين المواطن بأن صوته في الانتخابات سيكون مضمونا عبر انتخابات مستقلة عن التأثيرات الحزبية والسياسية،ووفق معايير الكفاءة والنزاهة المهنية..وتحقيقه عبر أصرار المتظاهرين على تغيير قانون الانتخابات وتشكيل مفوضية عليا مستقلة تعتمد آليات وطنية ودولية،والتعاون مع مؤسسة نظم الإدارة الدولية(International Management Systems) لتحقيق انتخابات نزيهة.
والثاني:ادراك القوى الوطنية والعلمانية والدينية اللاطائفية ان قوة احزاب الاسلام السياسي تكمن في فرقة هذه القوى،وتوحّدها داخليا ومع الكفاءات العراقية في الخارج في احزاب وتيارات نوعية تستثمر التذمر الشعبي الواسع وتوظفه في برامج سياسية عملية تلبي احتياجات الناس،وتعتمد خطابا سهلا مبنيا على سيكولوجيا اقناع جماهير تبحث عن بديل منقذ يتمتع بالمصداقية..وللأسف لم يتحقق كلاهما في انتخابات 2018.
مجيء الكاظمي.. هل تغيرت المعادلة السيكولوجية؟
قلنا ان العامل السيكولوجي هو الذي يحدد نتائج الانتخابات..لأن الذي يتحكم بها ليس الجماهير المنتمية للأحزاب والكتل السياسية،بل المستقلون الذين يزيد عددهم على العشرين مليون ناخب..فما الذي حصل وسيحصل لهم بمجيء السيد مصطفى الكاظمي؟
كان المزاج العام للعراقيين قد فهم ان الكاظمي جاءت به احزاب السلطة وأنه (لا يختلف عن سابقيه)،وحين قلنا وقتها انه يختلف،وطلبنا منحه مئة يوم ليحكموا بعدها له او عليه، عتب علينا كثيرون وعدّوا كلامنا مجاملة لصداقة صحفية تربطنا بالأخ الكاظمي،فيما السبب الرئيس هو ان توالي الخيبات اوصل العراقيين الى اليأس من اصلاح الحال،وان خذلانهم بوعود من سبقوه(حيدر العبادي الذي وعد بضرب الفاسدين بيد من حديد..وما ضرب) يدفعهم الى ان لا يثقوا بالكاظمي.لا بل ان بينهم من سخر قائلا :أن الكاظمي لا يستطيع ان يفعل شيئا،وان فعل فهو فلم هندي!.فضلا عن ان سيكلوجيا الجماهير العراقية التي تفهم السياسة بانها تحقيق غير الممكن وليس فن الممكن..لا تصدق بالكاظمي ما لم يضع حيتان الفساد وراء القضبان!.
وتدريجيا استطاع الكاظمي ان يحدث تحولات سيكولوجية ايجابية لدى المواطن العراقي بدءا بقرارات شجاعة اتخذها في الاسبوع الاول لتوليه السلطة وانتهاءا بلقاءات شعبية مع المواطنين كان فيها اول رئيس وزراء بعد 2003 يلتقي بالعراقيين وجها لوجه في الساحات العامة،وتعيين اكثر من اربعمئة شاب(مع ان عدد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات يزيد على اربعين الفا!)..ما يعني ان المزاج العراقي في الانتخابات المبكرة (6 حزيران 2021) سيشهد اقبالا نقيض انتخابات 2018 التي اقعد اليأس اكثر من 80% من العراقيين في بيوتهم ولم ينتخبوا.
لكن الصورة ليست مشرقة تماما فهناك معرقلات لها تأثير سيكولوجي سلبي على الناخب العراقي غير المنتمي،تتحدد اهمها بعدم القدرة على اجراء احصاء سكاني يسبق موعد الانتخابات المبكرة لتحديد الدوائر الانتخابية،وشحة او انعدام تأمين النفقات المالية،ومعوقات قضائية تتعلق بنقص عدد اعضاء المحكمة الاتحادية،والشك في استقلالية مفوضية الانتخابات، وعدم تعديل قانون الاحزاب،وخوف الناخب من نفوذ الميليشيات،فضلا عن ان قانون الانتخابات الجديد ،الذي كتب على عجل لتهدئة غليان الشارع ولم يصوت البرلمان على جميع مواده،توجد فيه ثغرات تؤدي الى هدر اصوات ملايين الناخبين ولا يؤمن انتخاب برلمان يمثل الشعب..فلو ان عشرة،مثلا،رشحوا عن دائرة انتخابية تضم 250 الف مواطنا،وفاز احدهم بخمسين الف صوتا،فأنه لا يمثل المئتي الفا الذين توزعت اصواتهم على التسعة،وقس على ذلك ما سيحدث على عموم الدوائر الانتخابية.
وفي الجانب السياسي: لا يمتلك شباب الانتفاضة رؤية سياسية واضحة وليس لديهم برنامج وطني باستراتيجية علمية،ولم يعمدوا لغاية الآن(آب 2020)الى هيكلة وجودهم في كيان سياسي موحّد يستقطب جماهير الانتفاضة ومناصريها والمتطلعين الى التغيير،ولا تمتلك القوى التقدمية جماهير واسعة،فيما تتحكم بالعراقيين المتعاطفين معها (وتحديدا الحزب الشيوعي) سيكولوجيا (قلوبنا معكم واصواتنا لغيركم!).
يضاف الى ذلك ما قد يكون أخطر يتحدد بضغط احزاب السلطة على الكاظمي الذي احرجها ،والخشية ان لا تصمد حكومته بوجهها،وتحايل تلك الاحزاب ومكرها باساليب مشروعة من قبيل دعوة بعض البرلمانيين وزعماء الكتل والاحزاب الى حل البرلمان في محاولة منها للحفاظ على القانون الانتخابي السابق والتهرب من القانون الجديد،وقدرتها على تكييف القانون الذي جرى تشريعه في 24 /12/2019 بما يؤمن لها الامساك بمؤسسات الدولة ومصادر تمويل مكاتبها الأقتصادية..المسؤول الأول عن الفساد في العراق،في حقيقة تاريخية هي ان الحاكم في العراق تتحكم به سيكولجيا الخليفة..البقاء على كرسي الحكم الى يوم يخصه عزرائيل بالزيارة.فبرغم ان الخط الأول من قيادات الطبقة السياسية..شاخت واثرت وشبعت حد التخمة فانها تريد ان تبقى محتكرة للسلطة ولن تسمح بانتاج وجوه جديدة.
من سيفوز؟
بافتراض ان الانتخابات المبكرة جرت في موعدها المحدد وان الكاظمي سيفي بالتزامه بتأمين اجواء مناسبة،وبافتراض انها جرت بشفافية واشراف دولي،فان التغيير بحجم التفاؤل الذي احدثته انتفاضة تشرين لن يحصل،لأن الأحزاب والكتل السياسية في السلطة تمتلك ما لا تمتلكه القوى الأخرى في أهم ثلاثة:
* نفوذها المطلق في الوزارات والمؤسسات الحكوميه،
* المال والقوة والسلاح والتنظيم العالي والقيادة وخبرة(17) سنة في التزوير والخداع والاغراء والوعود والمكر السياسي،
* وجمهور واسع لم يزل يؤديدها.
فضلا عن جمهورا عراقيين كثرما يزالون يميلون للاقوى والأكثر ثراءا ولا يفكرون بالمستقبل بحكم كونهم ينتمون الى أمة ماضوية.
والمؤكد ان التغيير سيحصل،والاشكالية هي في حجم هذا التغيير،فهو لن يكون بـ( 360) درجة كما يتمنى كثيرون ولن يكون دون الـ (20% )كما يعدّ لها السياسيون..والأرجح انها ستكون بين احتمالين:
الأول:
حصول جبهة شباب انتفاضة تشرين ومؤيديهم والقوى التقدمية على مقاعد تضعف او تنهي سيطرة الأحزاب الأسلامية على البرلمان..ان توحدوا وكسبوا ثقة الشارع العراقي.
والثاني :
ثمة عامل سيكولوجي مهم يفعل فعله في العراقيين هو انهم تستهويهم الشخصية الكارزمية( عبد الكريم قاسم مثلا).وما حصل ان العملية السياسية لم تفرز عبر 17 سنة رجل دولة بمواصفات كارزمية..ويبدو ان الكاظمي قد بدأ بتكوين هذا الانطباع عند جمهور واسع من العراقيين،وانه قد يفجر المفاجأة بفوز قائمته ان رشح الى الانتخابات المبكرة..وعندها سيكون العراق امام احتمالين:
اما لجوء الأحزاب والكتل السياسية والمليشيات المتضررة الى احتراب يبدأ شيعيا شيعيا يتطور الى اقتتال طائفي وقومي ينتهي بتدخل دولي،واما البدء بعقد سياسي جديد ينهي الطائفية والمحاصصة ويضمن اقامة دولة مؤسسات مدنية وبناء وطن يمتلك كل المقومات لأن يعيش أهله يكرامة ورفاهية.