الأسد فى القفص
تحركت مسرعًاً نحو الميدان لألحق بالأتوبيس، بينما أنا أنتظر قدوم الحافلة، سمعت صوت زئير أسد ونباح كلب، ظننته التلفاز, و لم يخطر ببالي أبدًا أن يكون الصوت حقيقيًّا، وياله من كلب مسكين! لابد وأنه بين أنياب السبع، لكنني لم أجد الناس تجري و تهرول من زعرهم من ملك الغابة وقت وجوده هنا، واقتربت لاستطلاع الأمر, و جدت ُ الأسد سجينًا داخل قفص، وهناك في الخارج الكلب هو من يقوم بحراسته، نعم! كلب أجرب, و بيده عصا، كيف يكون هذا أسدًا فى وسط ميدان عام وكلبًا أجربًا فى حراسته؟ كانت البشر تجىء و تذهب دونما تبالي بالمنظر, أبداً إلا أنا الذى شدني الاستفزاز. حاولت تحري الأمر، و كيفية التدخل به، إنهم وجدوهم هكذا منذ الصباح. جاءت الحافلة، تركت الموقف برمته، وركبتها، وأسرعت منطلقة خارج حدود الحي والميدان، وصوت الزئير ما زال يُسمَع، ونباح الكلب الأجرب يعلو يعلو يعلو. نزلت من الحافلة، وإلى مقر الشركة دخلت فى الميعاد تمامًا، ووقعت في دفتر الحضور، وجلست على مكتبي، وأمسكت قلمي، وشرعت فى عملي؛ فلم يطاوعني عقلي علي العمل، وكيف؟ كل تفكيري منصب فقط على مشهد الصباح، وزملائي بالعمل مندمجون، و العملاء يذهبون ويأتون، ألا أنا. تأملت الموقف كثيرًا، سألت عن صاحب الأسد والكلب, وطلبت من الساعي أن يحضر لي فنجان قهوة؛ نعم كادت رأسي أن تنفجر من كثرة التفكير، وبينما يحضر الساعى فنجان القهوة أشعلت سيجارة تلو.. الجدران تدور من حولي سريعة، لا أجد إجابات، سقط سقف المكتب فوق رؤوسنا ونحن أصحاء، وانفجرت المياه من مواسير الصرف الصحي، ولم تُغرِق الحاضرين، جرت المياه الملوثة جوارنا دون أن تلمسنا، كانت مثل جداول المياه النابعة من نهر جارٍ عذب؛ لكن رائحتها كانت نتنة وتؤذي أنوفنا، وأخيرًا نزلت الأمطار النقية قوية جدًّا، جرفت القفص الحديدى من هناك، وجرفته فوق ركام السقف المنهار، كان الكلب الأجرب بالداخل، والأسد بالخارج، لكنه لم يكن أسدًا كما كان يزأر بقوته المعهودة
الكاتب / سامح ادور سعدالله- مصر