لم يعد ممكنا اغماض العين ، او تجاهل الازمة العاصفة بحركتنا ، وقضية شعبنا ، في اطار الازمة العامة في البلاد
بعكس كل ادعاءات وسائل الاعلام الحزبية التي تحاول عبثا إضفاء اللون الوردي على الحالة الكردية السورية الراهنة ، واشغال الناس بصغائر الأمور لتوجيه الأنظار ، واخفاء الحقيقة المؤلمة حول معاناة المواطنين في مناطق نفوذ سلطة الامر الواقع ، على الصعد السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، وفي مجال الحريات العامة ، ومضيها في حجب الأسباب الحقيقية للتردي الحاصل التي تعود بالأساس الى الازمة المستعصية المتفاقمة التي تعاني منها الحركة القومية السياسية الكردية جراء تفككها ، وتشرذمها ، وارتدادها الفكري ، والثقافي ، وتراجعها التنظيمي ، ويطيب لاحزاب طرفي الاستقطاب وصف الحالة في غير محلها ، والتهرب من التشخيص السليم لأزمة الحركة ، باعادتها الى اختلافات حزبية شكلية قابلة للحل من خلال تفاهمات أحزاب طرفي الاستقطاب عبر وساطات خارجية ، من دون الحاجة الى الغوص عميقا لاجتثاث المرض من الجذور ، وهنا يظهر الخلاف العميق بين رؤية حزبية تنفي وجود مايدعو الى إعادة النظر ، والبناء من جديد ، على هياكلها المتداعية ، وبين التشخيص الواقعي للأزمة من كل جوانبها من قبل الغالبية الساحقة من النخب الفكرية ، والسياسية ، والثقافية ، والذي يستدعي حل الازمة بإعادة بناء الحركة بالطرق المدنية الديموقراطية ، وتوحيدها ، واستعادة شرعيتها .
عموما وعلى ضوء التباين السياسي في تشخيص الحالة الكردية السورية ، نجد تباينات أخرى أيضا حول سبل الحلول بين فئات ثلاث :
أولا – الفئة الأولى : كما اشرنا أعلاه من المتنفذين في أحزاب الطرفين ، ومن يوالونهم في وسائل اعلامهم ، ومن يقف وراءهم خارج الحدود ، لايقرون باي خلل بنيوي يستدعي التغيير ، أو عقد المؤتمرات ( القومية – الوطنية ) من أجلها ، وكل طرف يرى في نفسه المعبر ، والممثل الشرعي للكرد ، واما ان يحصل التفاهم مع الطرف الآخر لاقتسام السلطة ، ومغانم الإدارة ، ومساحات النفوذ ، وواردات النفط ، وجمارك المعابر الحدودية ، أو يهزم الطرف الآخر عسكريا او سياسيا جماهيريا ، وبوسائل القمع والمنع ليحل محله ، ويمارس سلطته الحزبية على انقاض الحزب الآخر ، هذا هو المنطق السائد حتى لو لم يتم الإفصاح عنه علنا .
يتمسك – ب ي د – كوكيل للحزب الام – ب ك ك – بالإدارة والواردات ، ويرى من حقه ذلك لانه قدم عشرات الالاف من الضحايا بمواجهة داعش ، ولديه مقاتلين على الأرض ، وجاهزون حسب الطلب ، والحاجة ، كما من حقه أيضا ! التصرف كما يشاء حتى في مجال اجراء تغييرات في مفاهيم الفكر القومي ، وتعديل وإلغاء المبادئ ذات الصلة مثل ( مبدأ حق تقرير المصير ) ، وتبديل مصطلح – كردستان سوريا – الى – روزآفا – أو – شمال شرق سوريا – وتنصيب – اوجلان – ذو التبعية التركية الى مرجعية آيديولوجية ، عقيدية للكرد السوريين بمصاف القادة العظام ، والانبياء ، وهو بالذات نفى صفة الشعب عن كرد سوريا ، ووعد الأسد الاب بارجاعهم الى موطنهم الأصلي خارج الحدود في الشمال ؟! .
اما أحزاب الطرف الاخر المواجه وبما ان قياداتهم تفتقر الى التاريخ النضالي ، وتحتاج الى حاضنة شعبية داخل صفوف ، ومناطق الكرد السوريين ، فانها ومنذ أعوام تستعير أمجاد الاخرين ، وسمعتتهم ، واموالهم ، وصدقت نفسها انها ( الممثل الشرعي الوحيد ) لكرد سوريا ، ولاتحتاج لالشرعية المؤتمر الكردي السوري الجامع ، ولا للاجماع الوطني ، ولا للاعتراف بالوطنيين المستقلين ؟! .
خلاصة القول ان الطرفين الحزبيين يعتاشان على صراع المحاور ، وتغذيته بالجانبين البشري ، والمالي ، ويصران من حييث المبدأ الى الحفاظ على الامر الواقع ، والتعايش مع الازمة ، وادارتها .
ثانيا – الفئة الثانية : وهي من أوساط اجتماعية ، واطياف متعددة ، ومتباينة ، بينها المتردد ، والرمادي ، وغير المهتم بالتفاصيل ، واللامبالي ، قسم منها تشدها مصالح نحو أحزاب طرفي الاستقطاب ، ويحرص على إرضاء الطرفين ، غالبية هذه الفئة ترى بوجود الخلل ولكن ترى أيضا بامكانية الإصلاح ، عبر التفاهمات ، وتبويس اللحى بين قيادات الأحزاب ، وبتبديل بعض المسؤولين اذا اقتضت الحاجة أي تبديل الأشخاص بدل الفكر ، والموقف السياسي ، وهي تقف مع رؤية الفئة الحزبية الأولى بشأن نفي أي دور للوطنيين المستقلين ، وعدم الحاجة الى مؤتمرات كردية سورية جامعة ، كما لاترى أية أزمة بنيوية داخل صفوف الحركة الكردية ، بكل اسف تجد قسما كبيرا من المتعلمين ، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي داخل هذه الفئة ، وكذلك المهتمون بالاعلام .
ثالثا – الفئة الثالثة : تضم نخبا من الوطنيين المستقلين ذوي الماضي النضالي ، والخبرة ، والسمعة الطيبة في أوساط الحركة الكردية ، ومجموعات شبابية من النساء ، والرجال ، ومن ذوي المهن العلمية المنتجة ، بداخل الوطن ، وبين صفوف المهاجرين في بلدان الشتات ، تنطلق في توجهاتها التغييرية من مختلف مراحل نضال الحركة الكردية السورية ، وتجاربها منذ عشرينات القرن الماضي وحتى الان ، وذلك بترابط تاريخي متكامل ، وترى ان الازمة عميقة داخل الحركة القومية الكردية ، وتوسعت لتشمل البنى الفوقية – الأحزاب – وكذلك الوضع الكردي العام ، ويكمن الحل في خطوات جذرية من خلال إعادة بناء الحركة من جديد ، وتوحيدها ، واستعادة شرعيتها ، وذلك بتوفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع ، بغالبية وطنية مستقلة ، ومشاركة قواعد الأحزاب – ان ارادت – على أساس التمثيل بثلث مقابل الثلثين للوطنيين المستقلين .
ترى هذه الفئة التي اسميها بالكتلة التاريخية المنقذة ان السبب الرئيسي للازمة هو ضعف وانتفاء تأثير العوامل الذاتية ، والمقصود بها : مشروع البرنامج السياسي ، والمواقف السياسية القومية ، والوطنية ، والكردستانية ، وإعادة بناء الأداة النضالية أي الحركة السياسية ، وتبديل ، وانتخاب المجالس القيادية ، وترسيخ استقلالية القرار ، وصيانة الشخصية الكردية السورية المستقلة ، ومسألة التبعية للمحاور القومية ، وعسكرة المجتمع الكردي السوري ، والتحالفات الوطنية السورية ، وميثاق العمل المشترك مع المكونات ، والتيارات الوطنية ، وإعادة الاعتبار لمسألة التصالح بين السياسي والثقافي في النضال الكردي ، وترى أيضا ان استكمال روافع ، وحوامل العوامل الذاتية من شانه التاثير الفاعل بالعوامل الموضوعية ، بل تجييرها لمصلحة تحقيق الأهداف ( كنا قد عالجنا هذا الموضوع بالقضية ٢١٢ ) .
عمليا يتصدر حراك ” بزاف ” هذه الفئة منذ نحو عشرة أعوام ، وعقد في الوطن ، وفي اقليم كردستان العراق وفي بلدان الشتات مئات اللقاءات التشاورية ، وعشرات الندوات النخبوية ، والجماهيرية ، متسلحا بمشروع برنامجه السياسي ، وكما من الوثائق من مذكرات ، وببانات ، ونداءات ، ومبادرات مرحلية ، منشورة ، وموثقة في موقعه الرسمي https://www.bizav.org ، باللغتين الكردية ، والعربية ، وبعضها بالانكليزية ، الى جانب حراك ” بزاف ” هناك أيضا مجموعات شبابية ، وشخصيات ثقافية ، وإعلامية ، بالوطن ، والخارج تنتهج نفس رؤية ” بزاف ” وتعمل حسب ظروفها الخاصة ، وتبحث عن التغيير بطرقها .
كثيرا مايطلب من حراك ” بزاف ” من جانب الحريصين بتسريع الخطى ، والاقتراب أكثر من ساعة الحسم ، وهو طلب مشروع ، ولكن اليس من الاضمن ، والانسب ان نعمل جميعا في أوساط الفئة الثانية ، ونحاول استمالتها ، وإقناع مكوناتها بان التردد ، واللامبالاة لن يعيدا بناء حركتنا ، ولنحاول معا انقاذ السفينة من الغرق قبل فوات الأمان .
الأزمة تتفاقم فلنبحث عن الحل
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا